وسم- امتد تأثير العواصف الثلجية القوية والتاريخية العديد من دول العالم أهمها عاصفة تكساس والجنوب الأمريكي والعاصفة الإقليمية الضخمة التي ضربت الأردن وشرق المتوسط وتركيا وصولا لعاصفة أسبانيا وحتى العديد من دول العالم.
قام خبراء مركز وسم الإقليمي بدراسة الغلاف الجوي هذا الموسم، وجدنا تطرف حاد في تموجات "روسبي" التي اتخذت تموجات توصف بالقوية وتفاوت حاد في قيمة الضغط الجوي في منطقة القطب الشمالي ونشاط الموجات الاستوائية في النطاق الاستوائي بشكل مختلف، وموجات روسبي هي نطاقات التي يحدث بها التبادل الحراري في الغلاف الجوي، فالهواء الدافئ يتجه للشمال والبارد إلى الجنوب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وتعتبر هذه الموجات أحد أهم الطرق التي يحافظ الغلاف الجوي على توازن حراري أفضل.
موجات روسبي..
تظهر على شكل أمواج تشبه أمواج البحر عند النظر إلى الغلاف الجوي من مقطع ثنائي الأبعاد عبر خرائط مستوى طبقة 500 ملليبار، وهذه الأمواج هي من أهم ظواهر الغلاف الجوي والتي تحدد النطاقات الباردة والمضطربة من النطاقات الأكثر دفئا واستقرارا في خطوط العرض المتوسطة والعليا من الغلاف الجوي، يصل عرض وطول هذه الموجات إلى 4000 كم وربما تتجاوز ذلك في كثير من الأحيان، وينتج عنها حالات عدم الاستقرار الجوي "الباروكلينكي الشديدة" والتي تتطور إلى عائلة من المنخفضات الجوية تبدأ من المنخفض الأم والذي يطلق عليها المنخفض شبه القطبي أو Subpolar low والذي يتواجد تماما على طرف الجبهة القطبية الرئيسية والمنخفضات التابعة على نفس خط الطول، هذه الأمواج كانت أكثر تطرفا هذا الموسم، حيث سجل القطب الشمالي أجواء أدفأ من المعتاد مما سمح للهواء القطبي في كثير من الأحيان الاندفاع والتعمق جنوبا إلى أن وصل إلى خطوط عرض شبه استوائية، وتم تسجيل تساقط الثلوج في جبال اليمن وعسير بشكل نادر وربما غير مسبوق في العديد من هذه المرتفعات، ولكن لماذا كانت تموجات روسبي متطرفة؟ سيتم الإجابة على هذا السؤال في الفقرات المقبلة.
التذبذب القطبي المتطرف "AO"..
كان التذبذب القطبي هذا الموسم متطرفا جدا ويطلق عليه Arctic Osculation ، ويقصد بالمتطرف هو التذبذب الحاد بين ارتفاعه وانخفاضه، وينتج ذلك من أنظمة جوية يطلق عليها بالمرتفعات الجوية الباردة أوCold Anticyclone، وهي أنظمة جوية باردة و متجانسة بكثافة شديدة في سمك 3000-4000 متر بدءا من الطبقات السطحية من الجو، ويساعد على تماسكها طبقة الانقلاب الحراري الشديدة المتواجدة في الطبقات السطحية من الجو بسبب الثلج والجليد، لوحظ قوة هذه الأنظمة الجوية هذا الموسم وتسجيلها أرقام كبيرة في منطقة القطب الشمالي، مما سمح للهواء القطبي شديد البرودة بالاندفاع نحو العرض العليا المتوسطة يسبب نشاط التيار النفاث القطبي Polar Jet Stream، عمل ذلك على تبريد شديد لهذه العروض كما عمل على زيادة وصلابة هذه المرتفعات الجوية، إلا أن هناك طارئا كان يحدث بين الحين والاخر قادما من العروض شبه الاستوائية والناتج من نشاط عالي للخلية الاستوائية ( موجات استوائية) خاصة في منطقة المحيط الهندي وشرق المحيط الهادئ، مما ساهم في وجود أنظمة جوية أخرى جديدة وهي المرتفعات الجوية شبه الاستوائية.
نتج عن ذلك قوة مفاجئة بين الحين والاخر لمرتفعات جوية يطلق عليها بالمرتفعات الشبه الاستوائية Subtropical Anticyclone، وهي مرتفعات جوية ديناميكية عميقة متجانسة في كافة الطبقات الجوية، هذه المرتفعات تتشكل في مراحل تتجاوز 2-3 أسابيع بدءا من النشاط الاستوائي، النشاط الاستوائي المرتفع يعكس نشاط قوي وكبير لهذه المرتفعات الجوية الدافئة العميقة والمتجانسة، هذا يسبب انتقال الهواء الدافئ نحو العروض العليا ومنطقة القطب الشمالي وزيادة التطرف السالب لقيمة التذبذب القطبي ( ارتفاع الضغط الجوي)، ولكن ولنتيجة الاختلاف الحراري الأفقي الحاد، يولد هذا الأمر عواصف شديدة جدا يطلق عليها بالعواصف شبه القطبية أو Subpolar Low، على طول الجبهة القطبية شديدة البرودة، وتلك شرارة موجات "روسبي" الشديدة مما يسمح للتيار النفاث القطبي التوغل جنوبا بسرعة ودفع الكم الهائل من الهواء القطبي قارس البرودة نحو عروض متدنية جدا.
المنخفضات شبه القطبية Subpolar low..
في علم الأرصاد الجوية لا يوجد مصطلح "منخفض قطبي" وهو الشائع بين الكثير من وسائل الإعلام، فالمنخفضات الجوية لها تصنيفات كثيرة وتصنيفات رئيسية، والتصنيفات الرئيسية للمنخفضات الجوية تبدأ من المنخفضات الحرارية السطحية غير ديناميكية، ثم المنخفضات الاستوائية العميقة Tropical Cyclone التي تبدأ شرارتها من عدم الاستقرار الباروتروبيكي ثم تتحول لنشطة ديناميكيا، والمنخفضات الجوية الجبهية أو الباروكلينيكية والتي يندرج أسفلها أنواع كثيرة من ضمنها المنخفض العملاق Subpolar low، هذه المنخفضات تزداد قوة من التغير الحراري الأفقي الكبير أو عدم الاستقرار الجوي الباروكلينيكي، لذلك وصف حالة جوية" بعدم استقرار " وصف غير صحيح وغير علمي إلا بالحالات الجوية التي تتميز بعدم الاستقرار الجوي الباروتروبيكي والتي تحدث غالبا في المناطق الحارة والدافئة التي ينتج عنها صعود الهواء ذاتيا دون تدخل عامل خارجي".
بعد شرح بسيط لأنواع المنخفضات الجوية، سيتم التركيز على المنخفضات الجوية شبه القطبية، التي تتشكل مباشرة على طرف الجبهة القطبية قارسة البرودة “cA Front”هذه المنخفضات الجوية تتركز بشكل رئيسي في شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ، فالرطوبة العالية والدفء التي تحصل عليها من المحيطات تزيد من عمق مركزها نتيجة للطاقة الحرارية المندفعة من عملية التكثف الشديدة والتي تتحول لاحقا لطاقة حركية تغذي وتعمق من قوة المنخفض الجوي، حرارة أعلى تعني منخفضات أكثر عمقا وقوة، كلما زاد التطرف الحراري زادات هذه المنخفضات الجوية قوة.
لوحظ عبر النظر إلى درجات الحرارة في المسطحات المائية العملاقة وخاصة المحيط الهادئ والأطلسي تواجد مياه أكثر حرارة من المعتاد بشكل كبير، عمل ذلك على تقوية هذه المنخفضات الجوية، كما لوحظ سخونة كبيرة في تيار خليج المكسيك الدافئ الذي يندفع من جنوب الولايات المتحدة وصولا لشمال المحيط الأطسي وسواحل شمال غرب أوروبا، يساهم ذلك أيضا في عمق وحدة العواصف شبه القطبية المؤثرة بشكل كبير على طبيعة تموجات روسبي.
تزامنت هذه العواصف القوية جدا ارتفاع الضغط في منطقة القطب الشمالي، وساهم ذلك بشكل مفاجئ في تطرف كبير جدا في تموجات روسبي، مما سبب اندفاع الهواء القطبي قارس البرودة نحو الجنوب، فتعمل هذه العواصف على الضغط على المرتفعات الجوية الباردة مما ينتج تموجات عنيفة على موجات روسبي.
اذا فالموجات الاستوائية " القوية" على طول خط الاستواء والناتجة أيضا من الحرارة العالية الأكثر من المعتاد تسببت في تقوية اندفاع الهواء الحار والدافئ من الجنوب للشمال، وارتفاع الضغط الجوي في منطقة القطب الشمالي، ونتيجة لسخونة مياه المحيطات تسبب في عواصف شبه قطبية" شديدة جدا" ومع تداخل هذه العوامل بشكل كبير تسبب تشكّل موجات روسبي متطرفة جدا وحادة، عملت على نقل الهواء شديد البرودة للجنوب والدافئ للشمال، فتطرفت دورانية الغلاف الجوي.
العامل المشترك.. الاحترار العالمي..
العواصف شبه القطبية كانت أقوى من المعتاد بسبب سخونة المياه والتطرف الحراري الأفقي الحاد، نشاط الموجات الاستوائية كان يعود لقوة العواصف الرعدية وشدتها على طول خط الاستواء التي ينتج عنها عبر دورانية الغلاف الجوي نشاط كبير للمرتفعات الجوية شبه الاستوائية Subtropical Anticyclone، ويتوقع خلال السنوات المقبلة ارتفاع الحرارة، مما يسبب تطرف كبير على الظروف الجوية، فربما نشاهد درجات حرارة دافئة جدا في فصل الشتاء تسبق أيام تتميز ببرودة شديدة جدا وقياسية بسبب توقع تأثير ظاهرة الاحترار العالمي على تموجات روسبي القوية، وهذا يزيد من حدة الموجات الحارة القوية في الصيف، وتكرار الأعاصير والعواصف القوية في الفصول الانتقالية.
تطرف موجات روسبي..
تطرف موجات روسبي سيؤدي لتغيرات كبيرة على الظواهر الجوية في كافة مناطق العالم ومن ضمنها الدول العربية، وهذا سيزيد من احتمالية العواصف الثلجية في الدول العربية ومن ضمنها الأردن وشمال السعودية والعراق، كما سيرفع من قوة الموجات الحارة خلال فصل الصيف، وتكرار حالات الفيضانات والسيول، وسيؤثر على الموسم المطري حتى يصبح يمتد لفترات أطول من المعتاد ليبدأ مبكرا وينتهي متأخرا وكما سيرفع معدلات الأمطار.
تطرف موجات روسبي يسبب في ارتفاع معدلات الأعاصير وتطرف في حركتها، مما يسمح للأعاصير الاتجاه نحو الشمال أكثر من المعتاد وتأثيرها على مناطق لم يسبق تأثرها بهذه الأنظمة الجوية، فزيادة حرارة الغلاف الجوي والأرض سيسبب فروق حرارية أفقية كبيرة وتغذية العواصف في المستقبل بشكل أكبر من المعتاد.
هل ستتكرر العواصف الثلجية؟
تكرار العواصف الثلجية أصبح محتمل بشكل كبير حتى خلال السنوات المقبلة في منطقة شرق المتوسط والأردن وبشكل أكثر تكرارا من السابق بالرغم من ارتفاع الحرارة عالميا، وما زالت فرصة الموجات القطبية والثلجية واردة خلال فصل الربيع.
النموذج المناخي لوسم وتكنولوجيا DMM..
لهذه الأسباب نحن نطور تكنولوجيا جديدة لزيادة دقة التنبؤات الجوية بعيدة المدى وحتى قصيرة ومتوسطة المدى، تساعدنا هذه التكنولوجيا على رصد هذه التغيرات الجوية والمناخية الحادة، وقدرتنا على التنبؤ الدقيق للحالات الجوية الشديدة وبدقة عالية جدا بعيدا عن الإرباك والتخبط خاصة الذي انتشر قبل بداية العاصفة الثلجية في وسائل الإعلام داخل الأردن مما يسبب خسائر كبيرة وارتباك بين الجمهور ومختلف القطاعات التي تعمل، ونتوقع المزيد من هذه العواصف والتطرفات المناخية، ومع استمرار هذا التخبط والإرباك سنتوقع المزيد من الخسائر في مختلف القطاعات ما لم يتم إحداث تغيير مهم وتطوير قطاع الأرصاد في الأردن والمنطقة العربية.
وبسبب التغيرات المناخية الكبيرة، نتوقع المزيد من التطرف والتقلبات وظهور حالات جوية أكثر قوة، وارتفاع معدلات الأعاصير والعواصف مما يعني الحاجة الملحة لتطوير قطاع الأرصاد وزيادة الدقة، واستخدام بروتوكولات حديثة في إيصال المعلومة الجوية بعيدا عن الإرباك والتخبط والغموض، وهذا ما يعمل به مركز وسم الإقليمي منذ فترة، وأثبتنا قدراتنا العالية على التنبؤ الدقيق للحالات الجوية ورصدها منذ أسابيع طويلة في منطقة الجزيرة العربية والسعودية ودول الخليج العربي والأردن وذلك بسبب تطويرنا للنموذج المناخي الخاص بنا.
لمعرفة كيف تعمل تكنولوجيا ال DMM وكيف تحافظ على دقة وثبات التنبؤات الجوية الرجاء زيارة الرابط التالي..
https://wasmweather.com/ar/jordan/news/1163