وسم – تتأثر الأردن بتغيرات مناخية حادة، ازدادت وضوحا منذ عام 2015 وخاصة حول ارتفاع كبير على درجات الحرارة وصل إلى حدود 1.0 ألى 1.5 عن معدلاته خاصة خلال الصيف مما عكس على حصول تغيرات مناخية كثيرة أبرزها ارتفاع "كبير" على معدلات الأمطار في المناطق الشمالية والوسطى.

درجات حرارة مرتفعة صيفا..
وتواجه الأردن ومنطقة شرق البحر المتوسط وخاصة الأجزاء الجنوبية الشرقية من البحر المتوسط ارتفاع واضح على درجات الحرارة وتكرار حصول الموجات الحارة الشديدة، ابرزها الموجة الحارة التي حصلت في نهاية صيف 2020 والتي استمرت بحدود 3 أسابيع، كذلك الموجة الحارة القوية التي حصلت في نهاية هذا الصيف ( صيف 2022) وبدأ تكرار الموجات الحارة القوية يزداد بمعدل 1.5 موجة حارة قوية خلال العام مقارنة مع 0.5 موجة حارة قوية قبل 2015، كما سجل آب 2022 ثالث أسخن شهر آب في تاريخ السجلات المناخية الحديثة وذلك بعد شهري آب 2021 و 2010 بالتوالي.

ومع ازياد الموجات الحارة القوية في المملكة بدأ ينعكس ذلك على سخونة منطقة البحر المتوسط وخاصة الأجزاء الجنوبية الشرقية منها بمعدل +2 إلى +3 درجة مئوية عن معدلاتها الاعتيادية، لتصل درجات حرارة تتجاوز 30 مئوية في مياه شرق البحر المتوسط خاصة في نهاية الصيف، مما عكس على ارتفاع كبير على نسبة الرطوبة السطحية ودرجات الحرارة في غالبية مناطق شرق البحر المتوسط.

ووصل معدل درجات الحرارة في شهر آب 2022 إلى 34.8 في مدينة عمّان في محطة ماركا الشمالية وهو ثالث أسخن شهر آب في تاريخ السجلات المناخية الحديثة على حسب بيانات دائرة الأرصاد الأردنية.

كميات أمطار كبيرة في شمال ووسط المملكة..
وتسجل المناطق الشمالية والوسطى من المملكة كميات "كبيرة" من الأمطار خاصة منذ عام 2015، حيث تسجل المناطق الشمالية مواسما مطرية ممتازة إلى قوية بشكل متتابع منذ موسم 2015 وحتى موسم 2022، بينا سجلت المناطق الوسطى مواسما مطرية قوية عدا موسم 2017، ويعتبر تتابع المواسم المطرية الممتازة إلى القوية على مدى 7 سنوات متواصلة في المناطق الشمالية غير اعتيادي، ويعود سبب ذلك على حسب تفسير خبراء مركز وسم الإقليمي إلى ارتفاع درجات حرارة منطقة البحر المتوسط ومنطقة شمال المحيط الأطلسي.

وتسبب درجات الحرارة العالية في منطقة البحر المتوسط إلى زيادة نسبة التبخر وارتفاع المحتوى المائي في الغلاف الجوي، مما يعكس هطولات مطرية غزيرة وشديدة، وخاصة الهطولات التي تأتي في فترات قصيرة وكميات كبيرة والمسببة لموجات السيول والفيضانات المفاجئة والتي أصبحت أكثر تكرارا منذ موسم 2015-2016 .

كما تسبب درجات الحرارة العالية في شمال المحيط الأطلسي إلى تغييرات جذرية في حركة التيار النفاث، والتيار النفاث هي تيارات هوائية شديدة السرعة قد تتجاوز 400 كم/ساعة تهب على ارتفاعات 9-11 كم عن مستوى سطح البحر تؤدي إلى تغيير كبير على المنظومة الجوية في الغلاف الجوي، وهذا نتج عنه ارتفاع الضغط الجوي بشكل كبير فوق القارة الأوروبية وحدوث موجات الجفاف والحرارة المتواصلة والتي بدأت تزداد منذ عام 2018، ويتوقع أن تصبح هذه الموجات الحارة القوية سنوية على حسب الدراسات الأوروبية.

وتسبب حرارة شمال المحيط الأطلسي العالية إلى ظهور منطقة نشطة في تشكل عواصف الأطلسي الشديدة والتي تدفع الرياح الساخنة والجافة من أفريقيا إلى القارة الأوروبية مما ينتج عنها ظهور مرتفعات جوية قوية وعميقة متماسكة في أجزاء واسعة من القارة الأوروبية تقوم بدورها بدفع الرياح القطبية والباردة نحو شرق أوروبا ثم تركيا وأخيرا منطقة شرق البحر المتوسط وصولا إلى الأردن مما عكس على تزايد منخفضات شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة وتساقط كبير للأمطار فاق معدلاته خاصة في شمال ووسط المملكة.

وبسبب سخونة البحر المتوسط تسبب ذلك في زيادة عمق منخفضات شرق البحر المتوسط وتطورها أحيانا إلى أعاصير شبه استوائية وهي ظواهر جوية نادرة وغير مسبوقة في منطقة شرق البحر المتوسط، ظهرت في البداية في موسم 2018-2019 وبدأت تتكرر بشكل سنوي، تسبب هذه الأعصاير شبه الاستوائية أو كما يطلق عليها Subtropical Cyclone  كميات ضخمة من الأمطار ورياح شديدة وهي ظواهر جوية تشبه الأعاصير الاستوائية وأهمها عاصفة التنين التي حصلت في شهر آذار من 2020.

 تذبذب كبير في كميات الأمطار في المناطق الجنوبية..
وعلى عكس المناطق الشمالية والوسطى، لوحظ تذبذب أكثر شدة في كميات الأمطار في المناطق الجنوبية والصحراوية من المملكة وذلك بسبب عمق منخفضات شرق البحر المتوسط التي بدأ يزداد في السنوات الأخيرة مما عكس على تغير في حركة التيار النفاث شبه الاستوائي، نتج عن ذلك عدم انتظام في المواسم المطرية في المناطق الجنوبية والصحراوية ولكن بنفس الوقت زيادة كبيرة في كميات الأمطار في شمال ووسط المملكة بمعدل 150% مقارنة مع السنوات الاعتيادية.

الاستفادة من التغيرات المناخية..
ومع تزايد التغيرات المناخية في الأردن فمن الممكن الاستفادة من هذه التغيرات عبر تغيير طريقة ونوع الزارعة في مختلف مناطق المملكة إلى أنواع تتحمل موجات الصقيع وتفاوت درجات الحرارة، كذلك زراعة محاصيل زراعية تستفيد من كميات الأمطار الكبيرة في شمال ووسط المملكة.

كما يجب الاستعداد لموجات السيول المفاجئة خاصة حول منطقة البحر الميت والوديان في شمال ووسط المملكة كذلك أقصى المناطق الجنوبية الشرقية وإقليم العقبة، فالتغيرات المناخية أصبحت على أرض الواقع وهي تؤثر على مختلف مناطق العالم.

ولا تعني التغيرات المناخية " الجفاف والحرارة" وهذه تعريف خاطئ ينتشر في العديد من الوسائل الإعلامية نظرا لسوء فهم هذه التغيرات المناخية، فالتغيرات المناخية هي ظروف جوية غير معهودة وغير اعتيادية تحصل في مختلف المناطق، وارتفاع الحرارة أو ظاهرة الاحترار العالمي هي التي سببت هذه التغيرات المناخية والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى أزمة المناخ.

توقعات موسم 2022-2023 في الأردن..
تم تشغيل النموذج المناخي المختص بتوقعات بعيدة المدى الذي قام مركز وسم الإقليمي بتطويره، وتم الحصول على نتائج لموسم مطري قوي متوقع خلال الموسم المقبل، كذلك درجات حرارة باردة جدا خاصة في منتصف فصل الشتاء.

ويتوقع تركز الأمطار في فصل الخريف أكثر اتجاه شمال ووسط المملكة، لكن بشكل غير منتظم ومتباعد، ويتوقع انتظام الأمطار بشكل واضح مع بداية شهر ديسمبر – كانون الأول- وبرودة الطقس التي يتوقع أن تكون أكثر من المعتاد، وتبقى الأمطار متمركزة في شمال ووسط المملكة قبل توقع تمركز الهطولات خلال شهر كانون الثاني- يناير- نحو العديد من المناطق بما فيها الجنوبية وتزامنا مع برودة الطقس الشديدة.

ويتوقع أن تكون موجات الصقيع أكثر قوة من المعتاد خلال شهر كانون الثاني – يناير- مع ارتفاع فرصة تساقط الثلوج خاصة في النصف الثاني من الشهر، وسيقوم مركز وسم الإقليمي بإصدار تفاصيل للنشرة الموسمية على الأردن والمنطقة، وتميزت غالبية نشرات وسم بالدقة العالية خلال الفترة السابقة نظرا لانفراد وسم بتطوير نموذج مناخي عالي الدقة يعتمد على المعادلات الإحصائية وسنوات التشابه.