وسم- سجلت منطقة شمال المحيط الأطسي أعلى معدل حرارة في تاريخ السجلات المناخية الحديثة، حيث تجاوزت 0.668 مئوية عن معدلها وسجلت 23.9 مئوية اعتمادا على بيانات المحطيات والغلاف الجوي الأمريكية –NOAA- وذلك في شهر سبتمبر 2022.
كما سجلت العديد من المحيطات والبحار حول العالم درجات حرارة كبيرة وتاريخية أهمها شمال المحيط الهادئ والبحر الأبيص المتوسط، وذلك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة عالميا، حيث نتج عن ذلك تغيرات مناخية حادة في العديد من مناطق العالم.
ويتم احتساب ذلك بطريقة ما يطلق عليه AMO – Atlantic Multidecadal Oscillation Index - بين خطي عرض 0 و 70 شمالا في منطقة الأطلسي عن طريق إدارة الغلاف الجوي والمحيطات الأمريكية NOAA.
تأثيره إقليميا وعالميا..
درجات الحرارة العالية لمنطقة شمال المحيط الأطسي تسبب نشاط عالي وكبير على عواصف شمال المحيط الأطسي، أو كما يطلق عليها " العواصف شبه القطبية" التي تضرب مناطق جنوب جزيرة جرينلاند وايسلاندا والجزر البريطانية وشمال المناطق الاسكندنافية.
قوة عواصف شمال المحيط الأطلسي تزيد من نشاط التيار الدافئ في المناطق الشبه الاستوائية الأطلسية وشمال غرب أفريقيا والتي تعزز بدورها صلابة ومتانة المرتفع الجوي الاوزري على القارة الأوروبية الذي يستمد قوته بالأصل لأسباب ديناميكية.
قوة المرتفع الجوي الأوزوري تعني منع الغربيات الأطسية الرطبة من التقدم نحو مناطق واسعة من أوروبا والبحر المتوسط والمغرب العربي، مما ينتج عن ذلك فترات جافة طويلة ودافئة، أو موجات حارة شديدة ومتتابعة خلال الصيف.
ما يعزز من قوة هذا المرتفع الجوي بالأصل هو الفوراق الحرارية بين سواحل القارة الأوروبية والداخل الأوروبي، والنشاط الديناميكي العالي بالأصل، تعزز حرارة المحيط الأطسي والعواصف الأطلسية القوية هذه العوامل بشكل مضاعف، مما ينذر بتغيرات مناخية "طويلة" على القارة الأوروبية ونشاط شديد لعواصف الأطسي شبه القطبية في المستقبل، كما سينذر أيضا من اتجاه العواصف الاستوائية إلى سواحل أوروبا الغربية والجزر البريطانية.
وسيؤدي إلى تغيير نشاط الموجات الاستوائية في أمريكا الشمالية لتندفع من المنطقة الاستوائية لشرق المحيط الأطلسي وخليج المكسيك، لتصبح العواصف الاستوائية أسوأ وأكثر قوة على أمريكا الشمالية.
التأثير المحلي..
ومع قوة المرتفع الجوي على القارة الأوروبية، سيؤدي ذلك إلى اندفاعات قطبية قوية ومباشرة من منطقة القطب الشمالي والجزر الاسكندنافية نحو شرق القارة الأوروبية والمناطق السيبيرية، يؤدي ذلك بدوره إلى وصول هذه الكتل القطبية إلى البحر الأسود وتركيا ثم منطقة شرق البحر المتوسط.
تعزز سخونة شرق البحر المتوسط المتزايدة في السنوات الأخيرة من نشاط الجبهة المتوسطية أو عملية نضوج المنخفضات المتوسطية بشكل أسرع من السنوات السابقة، بدوره يؤدي ذلك إلى سرعة وصل الهواء القطبي واندفاع التيار النفاث بعيدا عن الأردن وجنوب شرق المتوسط، مما يسبب وصول عدد أكبر من منخفضات البحر المتوسط وزيادة كبيرة على معدلات الأمطار في مناطق واسعة من الأردن وفلسطين وشمال مصر ومنطقة تبوك وشمال السعودية والعراق.
وبالفعل سجلت الأردن وفلسطين وشمال مصر معدلات أمطار "عالية" في السنوات الأخيرة تجاوزت 150% عن معدلاتها الاعتيادية، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليقترب من 200% خلال السنوات المقبلة مع زيادة حدة التغيرات المناخية في المنطقة.
ولذلك لا يجوز ربط التغيرات المناخية فقط بموجات الجفاف والحرارة، وذلك لأن التغيرات المناخية تختلف من منطقة لأخرى، فما يحصل لأوروبا لا يعني حصوله في الشرق الأوسط أو جنوب الولايات المتحدة الأمريكية أو المناطق السيبيرية، ولذا ينصح وسم بالانتباه من الوسائل الإعلامية في تغطيتها غير المفهومة للتغيرات المناخية، وينصح فقط باتباع المصادر العلمية لفهم هذه التغيرات.
تأُثيره على منطقة الجزيرة العربية..
ونظرا لاقتراب الكتل الهوائية الباردة والقطبية من منطقة الجزيرة العربية، فهذا يعني تطرفات حادة في الظروف الجوية خاصة من زيادة عدد العواصف الترابية والرملية وهو الملاحظ في السنوات الأخيرة، ولكن بنفس الوقت زيادة عدد المواسم المطرية "المتطرفة والقوية" وارتفاع فرص حالات السيول القوية والمفاجئة.
يؤدي ذلك إلى زيادة التفاوت في المواسم المطرية " التذبذب المطري الكبير" وقوة العواصف الترابية، ولوحظ في السنوات الأخيرة تعمق الرياح الموسمية صيفا نحو منطقة الجزيرة العربية تزامنا مع ارتفاع الحرارة عالميا.
ربط معدلات الأمطار في الجزيرة العربية مع زيادة تدفق الهواء القطبي نحو الجزيرة العربية أكثر تعقيدا، خاصة أن معدلات الأمطار تعتمد كثيرا على الدورانية الاستوائية في منطقة المحيط الهندي والهادئ، والتي أصبحت أكثر تطرفا في السنوات الأخيرة مما سيعكس على تفاوتا كبيرا على معدلات الأمطار في السنوات المقبلة
.
ما هي الحلول؟
من الصعب أن يتم ايقاف التغيرات المناخية الحادة في العالم، ولكن من السهل التعايش معها وايجاد الحلول التي من الممكن الاستفادة من هذه التغيرات المناخية عبر "التأقلم".
فمن الممكن الاستفادة أكثر من الطاقة المتجددة في القارة الأوروبية خاصة مع قلة الأمطار وارتفاع الحرارة وزيادة الموجات الجافة، مما سيقلل من الانبعاثات، وسيساعد على تحسّن المناخ في المستقبل ولكن سيحتاج ذلك إلى فترة زمنية طويلة قد تتجاوز 100 عام.
ومع زيادة معدلات الأمطار في الشرق الأوسط والأردن، من الممكن تغيير المحاصيل الزراعية، وبناء عدد أكبر من السدود للتحصيل المائي الجيد.
فالتأقلم هو أفضل الحلول لمواجهة " أزمة المناخ" الحالية، تزامنا مع إيجاد حلول تقلل من الانبعاثات بشكل تدريجي.