وسم- غابت المنخفضات الخماسينية عن المملكة هذا الموسم بشكل شبه تام، ولم يتم تسجيل أي منخفض خماسيني متكامل الخصائص منذ بداية فصل الربيع، وما كان يؤثر على المملكة في كثير من الأحيان هي منخفضات جوية متكاملة أو قبرصية وعلى غير العادة مقارنة مع هذا الوقت من العام، وشهدت الأردن ودول منطقة الشرق الأوسط ربيعا باردا ورطبا وممطرا، وتجاوزت كميات الأمطار أكثر من 3-4 أضعاف ما يتساقط بالعادة موسميا، ولكن ما هي الأسباب العلمية؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال لنبدأ نعرف هذه المنخفضات تعريفا علميا صحيحا بعيدا عن التعريف الشائع وغير العلمي المنتشر عبر وسائل الإعلام المحلية..


- المنخفضات الخماسينية..
هي منخفضات جوية جبهية "باروكلينكية" لكنها جافة وقليلة الرطوبة، تتشكّل هذه المنخفضات الجوية الجبهية خلف جبال أطلس بالمرحلة الأولى ثم تتعمق مع اتجاها شرقا بمحاذاة البحر المتوسط وعلى الأراضي الحارة الأفريقية.

تتبع هذه المنخفضات الجوية الجبهية الباروكلينكية المنخفض الأم المتوسطي بالعادة والذي يتواجد إلى الشمال الغربي وعلى الجانب الجنوبي الشرقي لجبهته الباردة التي تؤثر بالبداية على جبال أطلس، أن تغير سرعة حركة الرياح الباردة التابعة للجبهة الباردة الأم نتيجة اصطدامها بجال أطلس يسبب هبوطا حاد لهذه الرياح خلف الجبال وارتفاع حرارة الرياح " أدياباتيكيا" خلف جبال أطلس، مما يسبب اختلاف حراري بارولكينيكي حاد وتشكل نواة هذا المنخفض الجوي على شكل " lee low" أو المنخفض الجوي الواقع خلف الجبال.

يتحرك هذا المنخفض الجوي نحو الشرق تدريجيا وبمحاذاة الجبهة الباردة الأم، تسبب هذه الجبهة مع درجة حرارة المياه الباردة بيئة مناسبة لتعمق هذا المنخفض الجوي فوق الأراض الحارة الأفريقية لما تسببه من اختلاف حراري أفقي حاد (عدم الاستقرار الباروكلينيكي).

لتحدث هذه الديناميكية، يجب أن تندفع الكتل الهوائية القطبية على شكل عرضي وبتقاطع خطوط الكونتور للكتلة الهوائية على المستويات العليا من الجو مع خطوط العرض وبزاوية 45 درجة تقريبا نحو الشرق، يسبب ذلك تمدد الهواء القطبي على طول البحر المتوسط وبمحاذاة سواحل البحر المتوسط مما يجعل بيئة شمال أفريقيا بيئة مناسبة جدا لتشكّل هذه المنخفضات الدينيامكية الباروكلينيكية، وليس كما ينتشر في وسائل الإعلام المحلية أنها منخفضات "حرارية" والتي تعكس الفقر العلمي الذي انتشر في قطاع التنبؤات الجوية خلال السنوات الأخيرة.

أن هذا التوزيع مهم جدا لتشكّل هذه المنخفضات الجوية التي تستفيد من برودة مياه البحر المتوسط وتموضع الكتل القطبية المائل وجبال الأطلس العالية التي تعمل كشرارة لهذه المنخفضات الجبهية للتشكّل والتطور.


ولكن في هذا الربيع، تسبب مرتفع جوي قوي يتمركز في شمال أفريقيا على منع تشكّل هذه المنخفضات الخماسينية بشكل شبه تام، وتسبب في حدوث موجة جفاف قاسية في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا مما عكس على موسم ربيعي بارد وممطر في منطقة شرق البحر المتوسط، وتسبب المنخفضات الخماسينية كميات كبيرة من الأمطار في العادة في منطقة المغرب العربي نظرا لموقع مركزها.

ويخلط الإعلام والكثير من المصادر في تحديد هذه المنخفضات الجوية، علما أن المملكة لم تتأثر بأي منخفض خماسيني منذ أكثر من 5 أسابيع بسبب غياب هذه المنظومة الجوية وبشكل نادر الحدوث

- مرتفع جوي قوي في شمال أفريقيا..
تموضع مرتفع جوي قوي فوق شمال أفريقيا تسبب في عدم تشكّل هذه المنخفضات الخماسينية من الأساس، فمنبع هذه المنخفضات يقع خلف جبال أطلس في شمال الجزائر، تواجد منطقة من الضغط الجوي المرتفع في تلك المناطق تسبب في منع هذه المنخفضات الخماسينية من التشكّل والتعمق على غير العادة وبشكل نادرالحدوث.

أن تموّج الغلاف الجوي هذا الربيع كان على شكل  (Omega Pattern) وبشكل قليل الحدوث، حيث يتموج الغلاف الجوي خلال هذه الفترة الربيعية بالعادة على شكل (Rex Pattern) ناتجا من سرعة انخفاض الضغط الجوي خلف جبال أطلس ونشاط المرتفع الأوزوري فوق الجزر البريطانية نتيجة لاشتداد الاختلاف الحراري الأفقي بين المسطحات المائية الأكثر برودة والأراضي الأكثر دفئا، إلا أن هذا التنظيم لم يكون موجودا هذا الربيع على غير العادة.

إن قوة تعمق المرتفع الجوي الدافئ فوق شمال أفريقيا وغرب القارة الأوروبية ناتجا من تموج حاد جدا للتيار النفاث شبه الاستوائي وضعفه بنفس الوقت ، مما منع هذه المنخفضات الجوية بالتشكل والتعمق من الأساس، وهذا تسبب في نقل الكتل الهوائية الباردة والقطبية للانتقال مباشرة نحو حوض شرق المتوسط ونشاط المنخفضات "القبرصية العميقة" والتي كانت تنشأ من شمال شرق ليبيا وتتعمق بسرعة فوق حوض قبرص وبشكل غير مألوف بالنسبة لمناخ المنطقة في هذا الوقت الربيعي، وتسبب ذلك في حالات جوية قوية ممطرة بغزارة على بلاد الشام والأردن ودول شرق المتوسط وغياب شبه تام لموجات الغبار والعواصف الرملية

تنظيم الغلاف الجوي هذا الربيع كان غير اعتيادي، المنطقة الحمراء هي لمنطقة الضغط الجوي المرتفع التي سيطرت على منبع المنخفضات الخماسينية هذا الربيع

.

سخونة مطقة غرب المتوسط..
موجات الجفاف القاسية والمتتابعة على غرب القارة الأوروبية وشمال أفريقيا والنادرة تسبب في ارتفاع الحرارة في تلك المناطق وسخونة غرب البحر المتوسط، مما كان سببا جانبيا مهما في إضعاف الجبهة البارولكينيكية من التشكّل في البداية وتسبب في إضعاف هذه المنخفضات الخماسينية.

سخونة غرب المتوسط ( أعلى من يسار الصورة)


ضعف التيار النفاث فوق شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا..
المنخفضات الجوية البارولكينية أو الجبهية تحتاج أيضا لأسباب ديناميكية قوية لتتطور من الأساس، فلا تكفي الجبهة غير المستقرة الباروكلينكية، بل يجب توفر أسباب رفع ديناميكية ناتجة من نشاط التيار التفاث القوي فوق شمال أفريقيا والتي غابت تماما هذا الربيع، والذي نتج عنه أيضا سيطرة قوية للكتل الرطبة شبه الاستوائية والاستوائية على منطقة الشرق الأوسط بسبب هذا التراجع.

هل هذه التغيرات ستشتد السنوات المقبلة؟
بالرغم من تغير خصائص المنخفضات الخماسينية خلال المواسم الأخيرة وشبه غيابها في بعض السنوات نتيجة لتغير طرأ على منطقة شمال أفريقيا من اشتداد سيطرة منطقة الضغط الجوي المرتفع بسبب التغيرات المناخية، إلا أن مركز وسم الإقليمي لديه رأي آخر في خصائص المنخفضات الخماسنيية التي ستتغير مع السنوات المقبلة لتصبح أنظمة جوي أكثر استقلالية وقوة ديناميكية أحيانا والتي قد ترتقي خلال السنوات المقبلة إلى عواصف متوسطية شبه استوائية خاصة مع زيادة معدلات الحرارة في منطقة البحر المتوسط.

إن ضعف التيار النفاث في منطقة البحر المتوسط وتغير خصائص تنظيم الغلاف الجوي ستغير فقط من خصائص المنخفضات الخماسينية وغيابها شبه التام عن منطقة المغرب العربي، وسيصدر وسم دراسة عن هذه المنخفضات وتغير خصائصها خلال الفترة المقبلة.

ويحذر وسم من وسائل الإعلام المحلية التي تنشر معلومات "سطحية وضعيفة " حول التغيرات المناخية في الأردن ودول الشرق الأوسط والتي تدعي انخفاض معدلات الأمطار وزيادة الجفاف ظنا منها أن التغيرات المناخية متطابقة في كل مناطق العالم، وهذا يدل على الفقر العلمي وسوء فهم النتغيرات المناخية، حيث تتأثر مناطقنا بمعدلات أمطار كبيرة وزيادة على عدد عواصف البحر المتوسط والتي يتوقع أن تشتد خلال السنوات المقبلة وينتج عنها مواسم مطرية قوية غير مسبوقة.