وسم- مع بداية تاثير فصل الربيع منطقة البحر المتوسط، يستمر نشاط المنخفضات الجوية على المنطقة وربما تفوق قوتها عن فصل الشتاء في بعض السنوات، ولكن ما هي المنخفضات الجوية الخماسينية؟ وكيف تنشأ؟ وما هي الظروف الجوية المصاحبة لها؟ ولماذا ضعفت وتراجعت في السنوات الأخيرة؟ وهل هي مهمة للحالات الممطرة في منطقة البحر المتوسط؟

المنخفضات الجوية الخماسينية..
هي أنظمة جوية تنشا بسبب حالة عدم الاستقرار الجوي الباروكلينكية والناتجة من اختلاف حراري أققي حاد، تحفزها نشاط الجبهات المتوسطية المترافقة مع منخفضات البحر المتوسط، وتبدأ بالتشكّل فوق أراضي شمال أفريقيا الحارة مقارنة مع برودة البحر المتوسط بمعنى أن المنخفضات الجوية المتوسطية هي محفز هام لتطور منظومة عدم الاستقرار الجوي البارولكينيكي.

المنخفضات الجوية الخماسينية مترافقة مع جبهات هوائية باردة ودافئة، لكنها بالعادة منخفضات جوية شديدة الجفاف مصحوبة مع رياح قوية ومغبرة خاصة في الجزء الفعال الذي يفصل الهواء الحار عن الهواء البارد ( منطقة الجبهة الباردة) ونتيجة لحركة الرياح الشاقولية والأفقية النشطة في تلك المنطقة الفعالة، فيساهم في انتشار الغبار والأتربة معا حتى الطبقات العليا العميقة، واعتمادا على نسبة الرطوبة المتدنية جدا في الجزء الحار فيؤدي ذلك إلى تواجد سحب متوسطة وعالية أحيانا.

الظواهر الجوية المتزامنة مع المنخفضات الجوية الخماسينية..
العواصف الرملية أو الأجواء المغبرة، والرياح القوية التي قد تصل هباتها أحيانا إلى حاجز 80 كم/ساعة وتتجاوز ذلك في حالة "العواصف الخماسنيية"، زخات المطر الرعدية الخفيفة والموحلة أحيانا، اختلاف الحراري الكبير جدا والذي قد يتجاوز خلال ساعات قليلة 20 درجة مئوية.
ويلاحظ من الوصف خصائص طبيعة حالات عدم الاستقرار الباروكلينكية القوية ولكنها ذات خصائص شديدة الجفاف ( أي أن الهواء يتحرك عموديا وأفقيا وبشكل فعال لكن نسبة الرطوبة متدنية لمحتوى مائي ملائم لهطولات مهمة) .

المنخفضات الخماسينية تحفز بوضوح الاضطرابات الجوية في الجزيرة العربية ومنطقة البحر الأحمر عبر نشاط الرياح وظهور السحب الرعدية وتساقط زخات المطر، وفي بعض الأحيان قد تؤدي لتطور حالات ممطرة غزيرة وقوية شاملة اذا توافرت الرطوبة العالية.

خريطة عبر نظام "ويندي" لاختلاف الحرارة الكبير بين البحر المتوسط حرارة شمال أفريقيا


كيف تنشأ هذه المنخفضات الجوية الخماسينية؟
تبدأ شرارة المنخفضات الجوية الخماسينية في المنطقة التي تقع خلف جبال أطلس في منطقة المغرب العربي، وأثناء عبور الجبهات الباردة للمنخفضات المتوسطية أو عواصف البحر المتوسط التي تستمر في نشاطها، ويتغير تموضع الكتل الهوائية القطبية البادرة ليصبح على شكل "عرضي" وبزاوية حادة أكثر على خطوط العرض في منطقة البحر المتوسط، حيث قد تصل درجة التقاطع بين الكتل الباردة القطبية وخطوط العرض إلى أقل من 30 درجة في وسط البحر المتوسط.

إن هذه الظاهرة تعود بسبب نشاط التيار النفاث شبه الاستوائي بقوة فوق شمال أفريقيا ونتيجة لبداية ارتفاع كبير على الحرارة في منطقة الساحل الأفريقي مع بداية حركة الشمس الظاهرية نحو شمال الكرة الأرضية، إن هذه العملية تؤدي لدفع رياح ساخنة جدا نحو شمال أفريقيا أثناء عبور عواصف البحر المتوسط.

الوضع الطبيعي الربيعي للغلاف الجوي خلال 70 العام السابق، واللون البنفسجي والأزرق يظهر تجمع الهواء البارد القطبي ، وكما يلاحظ، فإن الكتلة الهوائية القطبية تغطي طول البحر المتوسط ( أو شبه متوازي مع خطوط العرض).


تعيق سلسلة جبال الأطلس الشاهقة عبور الجبهات الباردة وبتعزيز من الرياح الحارة المندفعة من شمال أفريقيا الحارة جدا، مما يؤدي بسرعة لانفصال جزء من الجبهة البادرة المتوسطية شمال جبال أطلس وتعززها أيضا الفرق الحراري لمياه البحر المتوسط الأكثر برودة من الصحراء الكبرى، تجزء الجبهة الباردة يعني بداية تطور نواة لمنطقة ضغط جوي منخفض جنوب جبال الأطلس بسرعة وبداية تشكل نواة المنخفض الجوي الخماسني ليبدأ بالتحرك مع الغربيات القوية التي تفصل بين الهواء البارد والحار في المنطقة ونحو الشرق وفوق سواحل البحر المتوسط الجنوبية وبالتزامن مع حركة عاصفة البحر المتوسط الأم والتي تسببت في تشكله.

هذه العملية تعزز كثيرا من التبادل الحراري العظيم بين الأراضي الساخنة جدا في أفريقيا والمناطق الباردة جدا في أوروبا، وتساهم كثيرا في عملية التوازن الحراري في الغلاف الجوي.

إن المنخفضات الجوية الخماسينية قابلة للتطور أحيانا إلى عواصف خماسينية قوية تدمج خصائصها مع عواصف البحر المتوسط القوية، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى ظروف جوية عالية التطرف في منطقة البحر المتوسط، وهذا حدث في منخفض مارس 1998 في منطقة شرق البحر المتوسط، أو عاصفة التنين في مارس 2020.

لماذا تراجعت وضعفت المنخفضات الخماسينية؟
وبالرغم من اضطراب الغلاف الجوي خلال السنوات الأخيرة لأسباب غير معروفة تماما، فتم ملاحظة تراجع كبيرعلى المنخفضات الجوية الخماسينية، وبالنظر إلى الخرائط الجوية عبر المستويات العليا والمتوسطة من الجو، تم ملاحظة شبه غياب وتراجع كبير على منخفضات وعواصف منطقة غرب البحر المتوسط  خلال الربيع مقارنة مع السنوات السابقة ( والتي تعتبر المحفز الرئيسي لتشكل هذه الأنظمة الجوية كما تم شرح ذلك) ، إن سيطرة مرتفع جوي قوي على جنوب غرب أوروبا وغرب البحر المتوسط عمل على تغير خصائص اندفاع الكتل القطبية بشكل "عرضي" خلال الربيع، لتصبح أكثر تركيزا على شرق البحر المتوسط.

وتطور المنخفضات الخماسنيية في تلك المناطق أقل بكثير مقارنة مع باقي المناطق وذلك لغياب عامل الجبال التي تحفز تطور هذه الأنظمة الجوية فوق شمال افريقيا.

ربيع عام 2023، ولوحظ السنوات السابقة متشابه لحد ما مع هذا التظيم، وتغير الاندفاع ليصبح متقاطع مباشرة مع خطوط العرض، وتركز الاندفاع فقط نحو شرق البحر المتوسط، مما تسبب في شبه غياب للعواصف الخماسينية


هل هناك منخفضات خماسينية متوقعة في ربيع 2024؟
 مع تحليل الخرائط الجوية والنماذج الحاسوبية، تم ملاحظة ضعف وتراجع ملموس على عواصف شمال المحيط الأطلسي منذ 10 أيام وبوضوح، إن هذا التراجع سيسمح لوصول الهواء القطبي نحو مناطق غرب المتوسط ( وحيث تم شرح ذلك في نتائج نموذجنا المناخي الذي تم إصداره في خريف 2023) ، لا يتوقع أن يصل عدد المنخفضات الخماسنيية إلى المعدل الطبيعي والمعتاد، وذلك نتيجة لاستمرارية سيطرة المرتفع الجوي الأوزوري على جنوب غرب أوروبا وشمال أفريقيا.

ولم يسجل ربيع 2023 وبشكل نادر نشاط لأي منخفض خماسيني متكامل، وذلك بسبب استمرارية تمركز مرتفع جوي قوي فوق معظم مناطق غرب المتوسط ووسطها وجنوب غرب أوروبا، وعوضا عن ذلك استمرت عواصف البحر المتوسط بالنشاط لفترة طويلة.

تحديد المنخفضات الخماسينية لا يعتبر سهلا في الكثير من الأحيان وذلك لانها تمتلك خصائص محددة تختلف عن خصائص عواصف البحر المتوسط خاصة من ناحية تعمقها العمودي وطريقة تكوينها وحركتها.

عاصفة خماسينية قوية ظهرت في إبريل 2022 وتندفع نحو شرق المتوسط، ويلاحظ بوضوح الهواء القطبي فوق غرب ووسط المتوسط والذي تسبب في تشكل هذه العاصفة