وسم – تواصل درجات الحرارة لمسطح مياه منطقة البحر المتوسط في الارتفاع خلال السنوات الأخيرة، ووصلت هذا الصيف إلى أرقام قياسية تجاوزت معدلاتها الموسمية بحدود 4-5 درجات مئوية مسجلا 29 مئوية في شرقه والمتوقع أن يزداد ارتفاعا خلال الفترة المقبلة بالرغم من اعتدال الأجواء خلال الأسابيع الأخيرة في المنطقة.
أسباب ارتفاع الحرارة في منطقة البحر المتوسط..
لا يمكن اعتبار الموجات الحارة أو ارتفاع حرارة الهواء هو السبب الرئيسي في ارتفاع حرارة منطقة البحر المتوسط، فهناك الكثير من الأسباب التي تتعلق أحيانا بالدورانية المائية الاعتيادية في المسطحات المائية، فالنشاط الجيولوجي العالي قد يكون أحد أهم الأسباب في ارتفاع حرارة المسطحات المائية وخاصة منطقة البحر المتوسط.
تأثير حرارة البحر المتوسط المرتفعة..
يؤثر ذلك بشكل رئيسي على منطقة وسط البحر المتوسط وقرب ليبيا واليونان وجنوب غرب تركيا وشمال غرب مصر بالدرجة الأولى مع بدايات فصل الخريف على شكل احتمالية عالية لحدوث العواصف المتوسطية القوية وارتفاع مؤشر السيول والفيضانات الخطرة، هذا التأثير ينتقل لاحقا نحو حوض شرق البحر المتوسط وخلال انتصاف فصل الخريف.
لا يعني ارتفاع حرارة البحر المتوسط هو تزايد عدد الموجات الحارة أو ارتفاع الحرارة موسميا، وبالرغم من حراراته العالية منذ أسابيع، إلا أن درجات الحرارة في كل من بلاد الشام وشرق المتوسط وشمال السعودية وشمال مصر انخفضت بشكل واضح وأصبحت دون معدلاتها الموسمية في العديد من الفترات نظرا لطبيعة دورانية الغلاف الجوي، لكن تزامن ذلك بوضوح مع تسجيل نسبة رطوبة مرتفعة والتي كانت تظهر بوضوح في درجة الندى ( درجة التكثف العالية- Dewpoint- ).
ويظهر تأثير حرارة البحر المتوسط في درجات الحرارة المحسوسة غالبا في نهايات فصل الصيف على شكل موجات رطبة في المنطقة خاصة مع زيادة نسبة التبخر وتراجع الفعاليات الجوية في الإقليم نظرا لطبيعة الغلاف الجوي الدورانية، مما يعكس من جهة أخرى على زيادة الطاقة الكامنة الحرارية في المنطقة.
تأثير حرارة البحر المتوسط المرتفعة يظهر بوضوح خلال نهايات فصل الصيف وفصل الخريف، ويتركز في وسط منطقة البحر المتوسط بالدرجة الأولى وبالقرب من أيطاليا وتونس وليبيا واليونان وحتى الأجزاء الجنوبية الغربية من تركيا على شكل حدوث عواصف متوسطية قوية ناتجة من الطاقة الحركية العالية التي نتجت من الطاقة الحرارية المحسوسة والمنطلقة من الطاقة الكامنة في البحر المتوسط والتي تصل إلى الالاف من وحدة "الجول" لكل كيلو جرام من الهواء، الحرارة العالية لمسطح البحر المتوسط وخاصة وسطه وشرقه تعني المزيد من الطاقة الكامنة ببساطة والتي يسهل تحوليها لطاقة حركية مع وصول الكتل الباردة عبر القارة الأوروبية خلال نهايات الصيف.
ويتأخر هذا التأثير بالظهور فوق منطقة شرق البحر المتوسط بسبب سلوك التيار النفاث شبه الاستوائي، الذي يشتد بوضوح كلما اتجهنا نحو الشرق نتيجة الحرارة العالية جدا في منطقة الجزيرة العربية وجنوب غرب آسيا واستمرار الحرارة المرتفعة نسبيا في شرق أوروبا نظرا للطبيعة القارية وتوقع استمرارية الموجات الحارة المؤثرة عليها لفترة طويلة.
تأثير ذلك في منطقة شرق البحر المتوسط وشمال السعودية ومصر يظهر بوضوح مع انتصاف فصل الخريف، ومع قدرة الكتل الهوائية الباردة إلى الوصول بسهولة نحو منطقة شرق البحر المتوسط بعد أن يتراجع التيار النفاث شبه الاستوائي نحو الجنوب ومع بداية انكسار حدة حرارة الطقس الشديدة في منطقة الجزيرة العربية، هذا التأثير يظهر ضمن حالات عدم استقرار جوي باروتروبيكية حادة في المنطقة خاصة مع انخفاض الضغط الجوي بسهولة قرب سواحل جنوب فلسطين، تتطور هذه الحالات بسهولة إلى منخفضات جوية عميقة المركز وشديدة الرياح في وقت لاحق من نهايات الخريف.
وببساطة ليس العامل الرئيسي فقط هو حرارة البحر المتوسط، فمن المهم جدا تراجع التيار النفاث شبه الاستوائي نحو الجنوب لاستنزاف الطاقة الكامنة بسهولة، عدا ذلك تبقى الظروف الجوية المؤثرة محدودة، فالعامل السطحي لوحده لا يكفي لحدوث عدم استقرار جوي بأنواعه حتى لو كان من النوع الباروتروبيكي.
لذلك مع احتساب ارتفاع الطاقة الكامنة غير المنطلقة في بخار الماء من حرارة البحر المتوسط العالية، وتحولها إلى طاقة حركية عالية مع وصول الكتل الهوائية الباردة يؤدي ذلك بسهولة لارتفاع فرص حدوث العواصف القوية في منطقة البحر المتوسط.
مراكز عميقة للمنخفضات الجوية فوق شرق وجنوب قبرص..
وبالرغم أن الحرارة العالية للبحر المتوسط تزيد من فرصة عدم الاستقرار الجوي الناتج من التغير الحراري الأديباتيكي خلف جبال تركيا والمساهمة في تطور مراكز عميقة جدا للمنخفضات الجوية وزيادة الفعالية الجوية خاصة خلال الشتاء، إلا أن ذلك قد يعكس في بعض الأحيان النتائج السلبية في اشتداد الرياح الجنوبية الغربية الجافة نحو أقصى جنوب منطقة بلاد الشام والتي تدفع كتل جافة إلى تلك المناطق، وبنفس الوقت تزيد كثيرا من معدلات الأمطار في كل من شمال ووسط الأردن وفلسطين ونطاق واسع من غرب سوريا ولبنان، ويتزامن ذلك مع اشتداد التيار النفاث شبه الاستوائي فوق شمال السعودية والعراق والكويت وزيادة الفعالية الجوية في بعض الأحيان نتيجة تواجد الكتلة الحرارية الرطبة المصاحبة لمنخفض البحر الأحمر (RSCZ) .
مع وصول المنخفضات الجوية العميقة نحو شمال سوريا والعراق، تبدأ في مرحلة الامتلاء سريعا ومع وصول المزيد من الهواء البارد حول مركزها، مما يضعف التيار النفاث بشكل مفاجئ فوق شرق ووسط السعودية وجنوب شرقها وارتفاع فرص معدلات الأمطار الكبيرة في منطقة وسط وشرق السعودية والإمارات وعمان والكويت وشرق العراق وإيران.
مراكز شديدة العمق للمنخفضات الجوية فوق شمال مصر..
وتتزامن هذه المنخفضات الجوية في التشكّل مع ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي فوق جنوب تركيا وخاصة عند ارتفاض الضغط الجوي فوق أواسط وشمال شرق أوروبا، هذا الضعف في التيار النفاث يسهل وصول الهواء البارد إلى منطقة شرق البحر المتوسط ونشاط الكتلة الحرارية الرطبة المصاحبة لمنخفض البحر الأحمر (RSCZ) ، يسبب ذلك اشتداد عدم الاستقرارية الباروتروبيكية ثم الباروكلينيكية للهواء، وانخفاض الضغط الجوي بسرعة شمال مصر، وهذا يزيد من احتمالية حدوث موجات فيضانات شديدة وكميات أمطار كبيرة جدا قد تعادل كمية موسم مطري كامل في أجزاء من جنوب وشرق الأردن وشمال السعودية، وتزداد هذه الظروف الجوية بشكل عام في كل من الأردن وفلسطين وشمال السعودية وشمال غربها ومنطقة تبوك وشمال شرق مصر خاصة عندما يتزامن ذلك مع نشاط الجبهات الهوائية الباردة من نوع Kata والخطرة والتي تتقابل مع تواجد منطقة RSCZ غير المستقرة شمال السعودية.
هذه المنخفضات الجوية المصرية العميقة، ترفع كثيرا من احتمالية موجات الفيضانات السيئة في وسط البحر الأحمر ومنطقة مكة المكرمة وجدة، وتسببت أحد هذه المنخفضات في نهاية نوفمبر من عام 2022 بأسوأ موجة فيضانات في جدة ومكة المكرمة والتي تم تصنيفها الأقوى في السجلات المناخية الحديثة.
بطء في سرعة الجبهات السيبيرية الشرقية خلال الشتاء..
وتتباطأ سرعة الجبهات الباردة السيبيرية التي تصنف من نوع backdoor front ، خاصة مع سرعة انخفاض الضغط الجوي وزيادة عدم الاستقرار الجوي من نوع الأدياباتيكي خلف الجبال التركية، ويحفز ذلك نشاط المنخفضات الجوية في طبيعة هذه الجبهات فوق شمال مصر، وكما أشرنا في الفترة السابقة قد يساهم ذلك في تطور المنخفضات العميقة جدا نحو شمال مصر وجنوب شرق البحر المتوسط.
سرعة هذا النوع من الجبهات يؤدي كثيرا إلى فشل تشكّل الجبهات الدافئة المندفعة من المناطق شبه الاستوائية أو إقليم البحر المتوسط وحدوث موجات باردة حادة وجافة، ومن ثم فشل تشكّل المنخفضات الجوية الناتجة من عدم الاستقرار الباروكلينكي في نهاية الأمر، لذلك لوحظ خلال السنوات الأخيرة تراجع في حدة موجات البرد السيبيرية القاسية في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط وبلاد الشام نتيجة تزامن ذلك مع سرعة تشكّل الجبهات الدافئة وسرعة تعمق المنخفضات الجوية المصرية ونشوء حالات ممطرة شديدة إقليميا.
العواصف الثلجية..
بالرغم من ضعف الموجات الباردة السيبيرية أو الجبهات السيبيرية، إلا أن احتمالية حدوث العواصف الثلجية الشديدة واردة ولكن تنخفض بالمقابل عدد هذه العواصف، ولفهم ذلك ببساطة، فإن العواصف الثلجية إن حدثت تكون متطرفة لكن بتكرار قليل، ويعود سبب ذلك علميا إلى أن مراكز المنخفضات الجوية تزداد عمقا فوق منطقة البحر المتوسط في حال وصول الهواء البارد، ومع طبيعة دورانية الغلاف الجوي في بعض الفترات وخاصة عند ضعف التيار النفاث القطبي بشكل كبير، يسهل ذلك تدفق سريع للرياح القطبية نحو شرق المتوسط وتزامن ذلك مع مراكز شديدة العمق للمنخفضات الجوية مما قد يزيد من فرصة حدوث عاصفة ثلجية شديدة، أهم هذه العواصف والتي حدثت بطريقة مشابهة هي عاصفة 27 – يناير -2022 ، وكذلك بشكل مشابه لعاصفة 17- فبراير -2021، وعاصفة 12-12-2013، وكذلك عاصفة 19-2-2015.
كذلك تعمل الطاقة الحرارية الزائدة المنطلقة قبل تحولها لطاقة حركية في رفع درجات الحرارة بشكل واضح وملموس نتيجة ارتفاع حرارة البحر المتوسط، ولكن تسبب زيادة الهطولات بشكل كبير ، وفي حال توافر البرودة المطلوبة، يسبب تزامن الهطول العالي مع التبريد حدوث عواصف ثلجية شديدة التطرف.
تتصف العواصف الثلجية المتطرفة في شدتها خلال فترة زمنية قصيرة، وسرعة انحسارها وزيادة أضرارها الكبيرة، فإن المراكز العميقة للمنخفضات الجوية تستزف مواردها سريعا وتسبب أضرار مضاعفة.
تلخيص النتائج..
- حرارة البحر المتوسط العالية تزيد من حدوث عواصف قوية في منطقة وسط البحر المتوسط.
- تزيد من قوة الحالات الممطرة على منطقة الجزيرة العربية وبادية الشام والأردن.
- تزيد من معدلات الأمطار العالية في منطقة إقليم وسط وشرق البحر المتوسط والجزيرة العربية.
- تقلل من احتمالية العواصف الثلجية ولكنها تزيد من فرصة حدوث عواصف ثلجية متطرفة وعالية الضرر في الإقليم.
- تزيد من فرصة تشكّل المنخفضات الجوية المصرية المسؤولة عن الفيضانات في كل من الأردن وفلسطين ومصر وشمال وغرب السعودية والعراق
تزيد من حدة الفيضانات في القطاع الغربي من السعودية ومكة المكرمة وجدة بسبب نشاط المنخفضات المصرية.
- تقلل من الموجات الباردة السيبيرية الجافة بشكل ملموس.
- تقلل من تأثير جنوب الأردن وفلسطين وشمال السعودية بعواصف المتوسط القبرصية.
- تزيد من فرصة الموجات الرطبة والحارة خلال نهايات الصيف في الإقليم.
- تزيد من امتداد المواسم المطرية لفترة أطول في إقليم شرق البحر المتوسط وبلاد الشام والجزيرة العربية.
-تسببت في زيادة معدلات الأمطار إلى حدود 60% في منقطة الشرق الأوسط
ونتائج هذه الدراسة تبقى قابلة للتغيير لبعض النقاط اعتمادا على طبيعة دورانية الغلاف الجوي غير الاعتيادية في بعض الفترات نتيجة التغيرات المناخية التي تؤثر على مختلف دول العالم.