وسم – تتأثر منطقة الجزيرة العربية وبلاد الشام بمنظومة جوية صيفية نوعية، تسبب ظروف جوية خاصة في المنطقة من موجات الجفاف والحرارة الشديدة في معظم مناطقها، واعتدال الطقس في بلاد الشام وتساقط الأمطار الغزيرة في جنوب السعودية واليمن وعُمان.
ويعتبر منخفض الهند الموسمي هو السبب الرئيسي لهذه الظروف الجوية النوعية والمختلفة لمنطقة الجزيرة العربية، وتتغير الظروف الجوية تباعا لشكل هذا النظام الجوي من صيف لآخر، وكونه نظام حراري ضحل و ضخم بنفس الوقت ويمتد نحو ثلاث قارات فهو يتأثر كثيرا بالأنظمة الجوية والقوالب الجوية في العروض الوسطى- العليا التي تستمر بالنشاط الجزئي خلال فصل الصيف.
ويسبب منخفض الهند الموسمي الموجات الحارة نحو منطقة بلاد الشام وتركيا في كثير من الفترات والتي تتميز بصيف معتدل مقارنة مع المناطق المحيطة.

منخفض الهند الموسمي..
نظام جوي حراري ضخم يمتد نحو ثلاث قارات، ويقع مركزه الرئيسي خلف الجبال الهميلايا، ويمتد نحو الجزيرة العربية من الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية، ويصل أثناء ذروة تأثيره حتى القارة الأفريقية وجنوب شرق القارة الأوروبية، ويتميز هذا النظام بالضحل رأسيا كونه نظام حراري، وتصل سماكته إلى نحو 900 مترا من سطح الأرض كمعدل عام.
يتزامن هذا النظام مع امتداد للمرتفع الجوي الأوزوري من البحر المتوسط، وكونه نظام حراري فهو لا يستطيع أن يمتد نحو المتوسط بسبب حرارة المياه مقارنة مع اليابسة الحارة، لذلك تلعب الحرارة النوعية دورا كبيرا في وجود هذا النظام بهذه الضخامة إضافة للعديد من الأسباب الديناميكية في دورانية الغلاف الجوي.
تسخين أشعة الشمس العمودية وشبه العمودية مناطق واسعة من الهند والجزيرة العربية تقلل من كثافة الهواء مقارنة مع المسطحات المائية المجاورة التي تتميز بحرارة نوعية عالية بالطبع لقدرتها على التوزيع الحراري بين أجزائها على عكس اليابسة، مركز المنخفض الهندي الموسمي يعود لأسباب تتعلق بهبوط الهواء وتسخينه أدياباتيكيا خلف جبال الهميلايا وطبيعة شبه الجزيرة الهندية التي تحيطها المسطحات المائية من ثلاث جوانب نحو عمق منطقة المحيط الهندي.

منخفض الهند الموسمي يزداد قوة وعمقا لأسباب ديناميكية تتعلق باشتداد خلية دورانية هادلي الاستوائية وبسبب الرياح الموسمية التي يسببها نحو الهند، حيث تعمل الرياح الرطبة الموسمية وعدم استقراريتها العالية نتيجة تزامنها مع تأثير النشاط الاستوائي بسبب منطقة الالتقاء الاستوايئة ITCZ ومحتواها الهائل من بخار الماء، إلى حصول حركة عمودية قوية للهواء فوق الأراضي الهندية نحو الأعلى مكونة سحب رعدية شديدة وعواصف ممطرة بغزارة مطلقة طاقة حرارية عظيمة جدا في طبقات الغلاف الجوي الأعلى ونتيجة لذلك يتمدد الهواء الذي فقد رطوبته وارتفعت حرارته و خاصة نحو الشمال ليهبط من أعلى إلى أسفل على خطوط العرض شبه الاستوائية وفوق منطقة الجزيرة العربية خاصة مسببا تسخينا دينامكيا عظيما من الطبقات العليا والتي تلتقي بالأصل مع رياح حارة جدا وجافة صاعدة من الطبقات السطحية وينتج ظاهرة الضغط الحراري العالي مسببا التقاء جزئيات الهواء عند الطبقات الاحتكاكية بالتحديد والسطحية أحيانا لتزيد من سرعتها ثم حراراتها العالية ليعكس ظاهرة التسخين الشديدة الديناميكية فوق منطقة الجزيرة العربية.
إن هذه الأسباب تتزامن أيضا مع دورانية الرياح عكس عقارب الساعة، وكونه نظام حراري ضخم جدا ويمتد نحو ثلاث قارات، فهو يسبب دفع الرياح الرطبة الموسمية على شكل رياح جنوبية غربية ونحو الهند، وبنفس الوقت يسبب اندفاع رياح حارة جدا وجافة استنزفت رطوبتها وطاقتها الكامنة العالية على شكل طاقة حرارية محسوسة عظيمة ( ربما تتجاوز أحيانا 4000 جول لكل كيلوجرام من الهواء) ، هذه الرياح الجافة جدا تنتقل نحو الجزيرة العربية على شكل رياح شمالية – شمالية غربية إلى شمالية شرقية وعبر جبال الاناضول وإيران ونتيجة لهبوطها من أعلى الجبال فهي أيضا تسخن أدياباتيكيا.
إن هذا النظام الحراري الموسمي الضخم والنوعي يترافق اذا مع نوعين من الكتل الهوائية، الأولى رطبة جدا وغير مستقرة من بحر العرب، والثانية جافة جدا وشديدة الحرارة تؤثر على الجزيرة العربية ووصولا إلى جنوب شرق القارة الأوروبية.
وكون هذا النظام الحراري النوعي يتغير بمراكزه ويتزحزح بين الغرب والشرق بسبب تأثره أيضا بدورانية الغلاف الجوية وربما حتى العوامل المحلية، فقد يسبب دفع جزء من الرياح الموسمية الرطبة نحو جنوب الجزيرة العربية، ففي حال أزاحة هذا النظام نحو الغرب وتعمقه اتجاه صحراء الربع الخالي بمركزه الفرعي فيسبب سحب جزء من الرياح الموسمية نحو سلطنة عمان واليمن.

هذا النظام الجوي يمتد حتى أفريقيا الشرقية ويتصل مع أنظمة حرارية محلية ليهيمن تماما على مناخ المنطقة ويدفع جزء مهم من الرياح الموسمية عبر البحر الأحمر وبحر العرب نحو السودان ومناطق جنوب غرب السعودية ومرتفعاتها مسببا أمطارا شديدة الغزارة في تلك المناطق.
ونتيجة للتسخين الحراري عند الطبقات الاحتكاكية بشكل قوي وحاد ونشاط الرياح الموسمية الرطبة نحو سواحل سلطنة عمان الجنوبية وخاصة صلالة، فيسبب ظاهرة الانقلاب الحراري، حيث تنحصر الغيوم والرطوبة العالية جدا أسفل الطبقات المنخفضة وما تحت الطبقة الاحتكاكية الساخنة نتيجة الظروف الجوية المؤثرة على الجزيرة العربية.
إن ظاهرة التسخين التي تحصل على الطبقة الاحتكاكية للغلاف الجوي لها أثر كبير جدا على مدى استقرارية الظروف الجوية في منطقة الجزيرة العربية والتي تسببها ظاهرة التسخين الديناميكي نتيجة الدورانية الطبيعية لخلية هادلي للغلاف الجوي والجبال والتضاريس العالية التي تتأثر بهذه الظاهرة والتي تزيد من حرارة هذه الطبقة وتعزيز التسخين الديناميكي بشكل متواصل.
كيف يسبب منخفض الهندي موجات الحر؟
بعد معرفة أن المنخفض الهندي يترافق مع كتلة هوائية رطبة تندفع نحو الهند مسببة الأمطار الموسمية الغزيرة والمتواصلة وكتلة هوائية أخرى حارة جدا وجافة نتجت من عدة أسباب تتعلق بالتسخين الديناميكي والأديباتيكي مع إضافة عامل التسخين الإشعاعي، فمع امتداد هذا النظام الحراري نحو شمال السعودية وبلاد الشام، يسبب دفع الجزء الجاف والحار جدا نحو تلك المناطق مما يؤدي لارتفاع الحرارة وحصول الموجة الحارة.
واذا تعمق هذا النظام الحراري بشكل قوي وحاد نحو الغرب وخاصة لو تزامن ذلك مع ضعف المرتفع الجوي الأوزوري في البحر المتوسط لأسباب تتعلق بدوارنية الغلاف الجوي، وتزامن ايضا مع رياح هابطة حارة من الطبقات العليا والوسطى من الجو يسبب ذلك موجة حارة قوية وظروف جوية مؤقتة فوق مناطق بلاد الشام تشبه ما يحصل فوق الجزيرة العربية طوال الصيف، مسببا اشتداد هذا النظام وانزياحه وامتداده بشكل قوي نحو الغرب، وتتزامن هذه الظروف أيضا مع رطوبة محلية محصورة نحو الطبقات السفلى بسبب استقرارية الهواء ونتيجة لسخونة الطبقة الاحتكاكية وذلك في مناطق شرق السعودية والكويت وربما تمتد لمنطقة الرياض أحيانا، كما يتزامن هذا التنظيم في انتقال الأمطار الغزيرة حتى منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة وربما بعض الأجزاء الداخلية من السعودية.

تغيرات في نظام المنخفض الهندي..
ومع ارتفاع الحرارة في السنوات الأخيرة، لوحظ تعمق وامتداد أشد لمنخفض الهندي الموسمي وصل إلى أوجه بين سنوات 2010 وحتى 2021، حيث تسبب في دفع ووصول الرياح الموسمية الرطبة في بعض الأحيان حتى عمق الجزيرة العربية بشكل نادر الحدوث والتسبب بأمطار غير موسمية و غزيرة في العديد من المناطق الداخلية، ونتيجة في تحول اتجاه الرياح الموسمية نحو الجزيرة العربية.
وبسبب هذا التنظيم الجوي وصلت الموجات الحارة إلى ذروة تأثيرها على منطقة بلاد الشام بين هذه السنوات وكانت أقواها في 2020، ونتيجة لاشتداد الموجات الحارة القوية نحو أوروبا وبالتحديد أوروبا الوسطى والغربية منذ 2021، أصبح مركز المنخفض الهندي يمتد بشكل أكثر قوة نحو جنوب شرق القارة الأوروبية وجنوبها مسببا تراجع الموجات الحارة في إقليم شرق البحر المتوسط منذ ذلك التاريخ وهبوب رياح غربية أكثر حرارة ورطوبة على غير المعتاد.

إن سخونة البحر المتوسط والتي ما زالت العديد من أسبابها مجهولة والتي قد تكون نتيجة حركة جيولوجية نشطة جدا تسببت في زيادة تمركز المنخفض الموسمي فوق تركيا وحوض قبرص، مسببة تزايد حدة موجات الرطوبة نحو بلاد الشام وحتى مناطقها الداخلية كما يلاحظ خلال السنوات الاخيرة، حيث تراجعت حدة الموجات الحارة وازدادت حدة الموجات الرطبة نحو شرق المتوسط.
الأنظمة الجوية التابعة للمنخفض الهندي..
وبعد معرفة أن منخفض الهندي الموسمي يعتبر نظام نوعي ضخم وكبير يؤثر على ثلاث قارات خلال الصيف، ويسبب ظروف جوية مختلفة، فإن هناك أنظمة حرارية تابعة له وأهمها المنخفض الحراري العربي والذي يتمركز فوق الربع الخالي، وكذلك المنخفض الحراري العراقي والذي يتمركز فوق جنوب العراق وشمال شرق السعودية ويتكون هذا المركز نتيجة الهبوط الأديباتيكي القوي خلف جبال تركيا و إيران مما يعزز من قوة مركزه.
ومع نهاية فصل الصيف يتكون مركزا آخر يطلق عليها بمالمنخفض الحراري "السعودي" والذي يتمركز نحو شمال السعودية وحتى شرق الأردن ويسبب أحيانا موجات حارة حادة خلال النصف الثاني من شهر 7 وحتى نهاية شهر 8.
المنخفض الهندي الموسمي من أهم الأنظمة الجوية الحرارية خلال الصيف والذي يغطي جزء كبير من مناطق آسيا وجنوب شرق أوروبا وحتى شرق أفريقيا والمتزامن مع أهم دورانية في الغلاف الجوي وهي دورانية خلية هادلي، حيث يعكس تأثيره ليس فقط على هذه المناطق، بل يمتد تأثيره لاحقا نحو مختلف أجزاء الغلاف الجوي وبشكل مختلف بسبب طبيعة دورانية الغلاف الجوي وترابطه.
يتأثر هذا النظام أيضا بحرارة منطقة المحيط الهندي وطريقة تباين الحرارة بين أجزائه المختلفة وتأثيرها على النشاط الاستوائي، وحركة ونشاط الرياح الموسمية، كذلك يسبب نشاط قوي للموجات الاستوائية خاصة مع بدايات الصيف ونهاياته مسببا العواصف الاستوائية والأعاصير في منطقة المحيط الهندي.
وربط نشاط هذا النظام بنشاط الموجات الاستوائية الرئيسية التي تدور مع دورانية الغلاف الجوي وحرارة المسطحات المائية يعكس كثيرا طريقة امتداده وتعمقه وتسببه بالموجات الحارة أو معدلات الأمطار.
ولوحظ خلال سنوات النينيو امتداد أكبر لهذا النظام الحراري نحو الغرب وحتى شرق أوروبا مسببا موجات حارة قوية، ونتيجة للنشاط الزائد الكبير على النشاط الاستوائي على جانبي منطقة جنوب شرق آسيا الاستوائية ( فوق المحيط الهادئ وفوق منطقة المحيط الهندي الغربية والوسطى عدا سواحل الصومال نتيجة للدورانية المائية الباردة التي تسببها الرياح الموسمية) فيسبب ذلك تسخينا ديناميكيا أشد فوق منطقة الجزيرة العربية والشرق الأوسط ونحو شرق أوروبا، وكذلك تعزيز تسخين الغلاف الجوي وزيادة معدلات الأمطار بشكل كبير فوق الهند والمناطق التي تقع غرب ووسط المحيط الهندي.

وتم تحديد صيف 2020 كمثال مهم لهذا التقرير العلمي والدراسة المصغرة كأفضل مثال لطبيعة المنخفض الهندي والتغيرات التي طرأت عليه خلال السنوات الاخيرة، ولتسهيل دراسة النتائج التي حصلت خلال السنوات الأخيرة.