وسم- قام مركز وسم الإقليمي برصد "التيار الاستوائي الشرقي" الذي يهب فوق شمال السعودية والأردن وحتى شرق البحر المتوسط وبشكل غير اعتيادي والناتج من نشاط استوائي قوي في جنوب آسيا والهند ودورانية غير اعتيادية للغلاف الجوي.
التيار الاستوائي الشرقي يهب في طبقات عليا من الجو تتجاوز14 كم عن مستوى سطح البحر، والناتجة من دورانية الهواء حول مراكز مرتفعات جوية عميقة في مختلف طبقات الجو بسبب النشاط الديناميكي العام لدورانية الغلاف الجوي والنشاط الاستوائي المرتبط به والمسؤولة عن توزيع أنظمة الضغط الجوي في مختلف مناطق العالم التي تعكس أنماط مناخية معروفة ومكررة.
ظهور التيار وامتداده حتى العروض الوسطى التي تجاوزت خط عرض 30 شمالا ووصلت حتى منطقة شرق البحر المتوسط وشمال مصر يعكس نشاطا استوائيا شديدا في مناطق جنوب آسيا والناتج من ارتفاع حرارة المنطقة الاستوائية التي تقع شرق المحيط الهندي.

الأسباب|
وتظهر صور الأقمار الاصطناعية المتحركة اندفاع هذا التيار من جنوب آسيا ومن المناطق النشطة استوائيا بشكل كبير، وسجلت تلك المناطق في الشهور الأخيرة نشاطا استوائيا كبيرا تعاظم مع بداية فصل الصيف بسبب سخونة المنطقة الشرقية للمحيط الهندي بشكل واضح تزامن ذلك مع انخفاض الحرارة عن معدلاتها في وسط وغرب المحيط الهادئ مما أدى إلى تعزيز هذا النشاط.
وبسبب ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي بشكل كبير واندفاعه حتى شمال الصحراء الكبرى وتموج الغلاف الجوي هذا الصيف بشكل حاد، اندفع هذا التيار بشكل "غير اعتيادي" حتى مناطق شرق البحر المتوسط والذي يعكس دورانية متطرفة للغلاف الجوي واضطرابا "خطرا" في تنظيمه يستدعي لكافة الجهات المناخية عالميا إلى الانتباه لهذه الدورانية الغريبة التي قد ينتج عنها ظروفا جوية شديدة التطرف حول مختلف مناطق العالم.

الظواهر المتوقعة|
هذا التيار يتوقع أن يكون مؤشرا واضحا على تموجات "قوية وحادة" للغلاف الجوي خلال منتصف ونهاية الصيف الحالي مؤديا لتعاظم الموجات الحارة نحو القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية وأجزاء من غرب ووسط آسيا ووصول الموجات الحارة لمناطق القطب الشمالي بشكل حاد مؤديا لعملية ذوبان كبيرة للجليد في منطقة القطب الشمالي والتي ستؤثر بسرعة على طبيعة الدورانية المائية في منطقة المحيط الأطلسي.
ويؤدي ذلك لفيضانات كبيرة في شرق آسيا وجنوبها أيضا خلال الفترة المقبلة، وموجات أمطار غزيرة وسيولا واسعة في كل من جنوب السعودية ومرتفعاتها واليمن والسودان وحتى مناطق الصحراء الكبرى بشكل نادر، مع تدفق هذا التيار بقوة نحو الصحراء الكبرى والتقائه بالتيار النفاث شبه الاستوائي الضعيف أحيانا مسببا توسع الأمطار بشكل غير موسمي حتى العروض الوسطى ومنطقة البحر المتوسط وخاصة الأجزاء الوسطى منه خلال نهاية الصيف.

النشاط الاستوائي القوي والمتزايد في عدة مناطق استوائية وخاصة جنوب آسيا والهند خلال بداية الصيف والمتزامن مع ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي بشكل متواصل فوق البحر المتوسط وجنوب أوروبا وشرق المحيط الأطلسي يعتبر مؤشرا خطرا لامتداد الموجات الاستوائية القوية والممطرة بغزارة نحو جنوب غرب السعودية والسودان واليمن وأجزاء من سلطنة عمان وجنوب الإمارات خلال نهاية الصيف مع زيادة حدة تموجات الغلاف الجوي.
الموجات الحارة يتوقع أن تبقى بعيدة عن مناطق شرق المتوسط وبلاد الشام وتكون بقوة أقل من المعتاد في شمال السعودية، بينما ستشتد في مناطق المغرب العربي وغرب البحر المتوسط والقارة الأوروبية خلال منتصف ونهاية الصيف الحالي بسبب تعاظم ظاهرة "الحبس الحراري" فوق شمال غرب أفريقيا والتي تمتد نحو أوروبا الغربية بين الحين والآخر والناتجة من النشاط الاستوائي الحاد و المضطرب عالميا.
خريف عالي النشاط في وسط المتوسط|
ومع تراجع النشاط الاستوائي واستمرار ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي في منطقة البحر المتوسط وشرق الأطلسي، سينتج عن ذلك خريفا نشطا جدا معززا من سخونة البحر المتوسط في مناطق وسط المتوسط وخاصة ليبيا وتونس وامتدادا حتى شمال مصر في بعض الأحيان.

النشاط الاستوائي الكبير المتوقع في مناطق الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل الأفريقي ( التي تقع شمال خط الاستواء) خلال نهاية هذا الصيف، والذي سيتزامن مع تدفق الهواء البارد عبر الطبقات العليا والمتوسطة من الجو بداية الخريف و نتيجة ضعف التيار النفاث ستزيد كثيرا من فرص للعواصف المطيرة على تلك المناطق وغير الاعتيادية والتي تشبه العاصفة دانيال التي ضربت ليبيا في سبتمبر 2023 خاصة مع تزامن ذلك باشتداد التيار النفاث القطبي شمال غرب أوروبا والناتج من سخونة المناطق الشمالية من المحيطين الأطلسي والهادئ.
استمرار المواسم المطرية القوية في مناطق جنوب شرق المتوسط والجزيرة العربية|
وما زالت المواسم المطرية "القوية" مستمرة على أجزاء واسعة من مناطق جنوب شرق البحر المتوسط وشمال وغرب الجزيرة العربية منذ 2014 والناتجة من التغيرات المناخية، وشهدت كل من الأردن وغرب السعودية وشمالها زيادة على معدلات الأمطار بحدود 40-60% خلال آخر 10 مواسم مطرية والتي يتوقع أن تزداد حدة هذه التغيرات المناخية خلال المواسم المطرية المقبلة مع اشتداد الدورانية غير الاعتيادية للغلاف الجوي، وبالرغم من تواضع الموسم المطري الأخير (2024-2025 ) في بعض المناطق.
اشتداد المواسم المطرية خلال آخر 10 أعوام في كل من الأردن وفلسطين وغرب السعودية وشمال شرق مصر ومنطقة الخليج العربي وبالتزامن مع ضعف المواسم المطرية في كل من شمال لبنان وشمال كل من سوريا والعراق يعود لتغير محاور المنخفضات الجوية المتوسطية التي بدأت تتمركز إلى الجنوب من قبرص وقرب سواحل شمال غرب فلسطين والناتجة من سخونة مياه البحر المتوسط وضعف التيار النفاث فوقه، وهذا أدى إلى تزايد مستويات الفيضانات والسيول في غرب السعودية وشمالها ومنطقة الخليج العربي بنفس التوقيت مع نشاط الجبهات الباردة لهذه المنخفضات الجوية وتزايد معدلات الأمطار بشكل واضح في كل من الأردن وفلسطين وجنوب كل من سوريا ولبنان.

ومع سخونة غرب المتوسط، وتركز منطقة الحبس الحراري فوق جنوب وغرب أوروبا ووسطها وضعف التيار النفاث في تلك المناطق، لوحظ استمرار سيطرة منطقة قوية من الضغط الجوي المرتفع فوق معظم مناطق أوروبا طيلة المواسم المطرية الأخيرة، والتي اشتدت كثيرا هذا الصيف مسببة موجات حارة قوية ومتتابعة نتج منها 2300 وفاة في 12 مدينة أوروبية حتى وقت كتابة هذا التقرير، وهبوب هذا التيار الاستوائي الشرقي وامتداده حتى شرق المتوسط هو مؤشرا خطرا على شدة هذه الدورانية واحتمالا كبيرا أن يشتد هذا النوع من التغيرات المناخية خلال الأعوام المقبلة.
ويتوقع مركز وسم الإقليمي أن تتسارع كثيرا وتيرة التغيرات المناخية عالميا خلال 5 الأعوام المقبلة مسببة نوع آخر من التغيرات المناخية والذي قد يكون حادا وسريعا بسبب الخلل الذي سيحصل في الدورانية المائية في منطقة المحيط الأطلسي.
