وسم – يراقب مركز وسم الإقليمي انخفاضا متوصلا بحرارة منطقة المحيط الأطلسي الاستوائي منذ عدة أسابيع، حيث ظهر التبريد للمرة الأولى في صيف 2024.
وبرودة المنطقة الاستوائية للمحيط الأطلسي ظاهرة مناخية "نوعية وأساسية " في دورانية الغلاف الجوي في مختلف مناطق العالم، والتي قد تكون مسؤولة كثيرا في ظروفٍ جوية مختلفة كالتي تحدث خلال هذا الصيف خاصة من ناحية تركز الموجات الحارة القوية نحو القارة الأوروبية ومنطقة شمال غرب البحر المتوسط.
منطقة المحيط الأطلسي الاستوائي|
تلعب هذه المنطقة دورا كبيرا جدا في الدورانية الاستوايئة ومدى شدة الموجات الاستوائية المندفعة وطبيعتها، والمؤثرة بشكل كبير على التيار النفاث شبه الاستوائي في منطقة شرق الأطلسي والبحر المتوسط، والتي تتحكم أيضا بالأنظمة الجوية في مختلف مناطق العالم وعلى "المدى الطويل" وهذا ما يزيد حساسيتها بالتغيرات المناخية أو الدورات المناخية لفترات طويلة.

ومع تسجيل عملية ذوبان كبيرة في جليد القطب الشمالي خاصة شمال المحيط الأطلسي ومنطقة الأقطاب بسبب ارتفاع حرارة المسطحات المائية لأسباب ما زالت أغلبها مجهولة وقد تكون ظاهرة غازات الدفيئة مسرعة لهذه العملية، بدأت تتوسع مناطق باردة بوضوح في منطقة المحيط الأطلسي.
المنطقة الأولى ظهرت في الجزء الشمالي وجنوب جزيرة جرينلاد بسبب زيادة تدفق المياه العذبة الناتج من ذوبان الجليد، وكذلك ظهور مياه باردة واسعة في المنطقة الاستوائية للمحيط الأطلسي والمندفعة من الأعماق بسبب تأثير قوة كوريوليس على حركة التيارات المائية ونتيجة مسار الرياح الموازية للسواحل الأفريقية المعززة لهذه الظاهرة.
نتائج التبريد|
إن نتائج التبريد في تلك المناطق للمحيط الأطلسي يؤدي بالدرجة الأولى إلى ضعف "كبير" على التيار النفاث شبه الاستوائية في منطقة البحر المتوسط وجنوب أوروبا، مما يزيد من سهولة اندفاع الموجات الحارة أو الكتل الدافئة الجافة نحو أوروبا بشكل متواصل، التيار النفاث الضعيف يؤدي لتموجات حادة لهذا التيار النفاث ثم تطرف الظروف الجوية التي تؤدي لموجات حارة أو باردة في المنطقة.
التبريد الآخر الذي يتزايد في المنطقة الجنوبية لجزيرة جرينلاد يساهم في إضعاف تيار الخليج المكسيكي الدافئ المندفع من خليج المكسيك نحو أوروبا الغربية والذي يؤدي إلى الاعتدال والأمطار نحو تلك المناطق عبر المحيط الأطلسي، هذا الضعف سيسبب خللا كبيرا في طبيعة التيار النفاث القطبي وضعفه الشديد "للمرة الأولى" منذ سنوات طويلة في تلك المناطق، مما يزيد من تعرض القارة الأوروبية لكتل جافة مندفعة من الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا باستمرار يقابله موجات أكثر برودة نحو جنوب شرق أوروبا ودول البلقان واليونان وليبيا ومصر وبلاد الشام وغرب وشمال السعودية.

إن تزامن ذلك مع سخونة قياسية في حرارة شمال المحيط الهادئ سيؤدي لنتائج معقدة في دورانية الغلاف الجوي، والذي قد يسبب تطرفا شديدا في شرق القارة الأوروبية وجنوب شرق شرقها خلال المواسم المطرية المقبلة، مما قد يعزز من شدة التغيرات المناخية التي ظهرت من 2014 في المنطقة والمتسببة بزيادة كبيرة على معدلات الأمطار في كل من الأردن وفلسطين وشمال شرق مصر والجزيرة العربية.
ضعف التيار النفاث القطبي|
وما زال مركز وسم الإقليمي يراقب هذه الظاهرة المناخية " الخطرة" والتي ستحدث بدءا من وسط المحيط الأطلسي ثم القارة الأوروبية وحتى آسيا، إن ضعف التيار النفاث القطبي يعكس ظروفا مناخية أكثر خطورة في المنطقة قد تؤدي لتسارع التغيرات المناخية التي بدأنا نشهدها منذ عام 2014 وللمرة الأولى، ونتوقع بداية ضعف هذا التيار بوضوح خلال الموسم المطري المقبل وبالتحديد في النصف الثاني منه.
ضعف التيار النفاث القطبي وتموجه الحاد والمتزامن مع ضعف التيار النفاث شبه الاستوئي سيؤدي لدفع الغربيات الممطرة أو التي تؤدي لاضطرابات جوية قوية نحو الجنوب أكثر من المعتاد ومعرضة المنطقة لموجات باردة أكثر عددا وفترات صيف أكثر اعتدلا كالصيف الحالي التي تشهده منطقة البحر المتوسط وبلاد الشام وغرب وشمال الجزيرة العربية.
وبسبب احتمالية تطور ظاهرة "النينيو المودوكي" خلال النصف الثاني من الموسم المطري سيؤدي ذلك لنتائج أكثر تطرفا على الظروف المناخية حول العالم ومن ضمنها إقليم البحر المتوسط والجزيرة العربية.
إن هذه المعطيات المناخية المتعددة وتزامنها في نفس التوقيت تؤدي لنتائج مختلفة كثيرا على دورانية الغلاف الجوي، إلا أن هناك ظواهر واضحة بدأت تتزايد وخاصة حول الموجات الحارة المتواصلة على أوروبا وارتفاع الحرارة هناك وتراجع معدلات الأمطار في آخر 10 سنوات، يقابلها العكس في منطقة جنوب شرق البحر المتوسط وجنوب منطقة بلاد الشام والأردن وفلسطين والجزيرة العربية وشمال شرق مصر وغرب تركيا التي تشهد تزايدا كبيرا في معدلات الأمطار وانخفاضا في عدد الموجات الحارة منذ صيف 2021.
الموسم المطري السابق شهد تيارا نفاثا قطبيا قويا كان ينحني جزئيا في أقصى جنوب شرق أوروبا وشرقها مؤديا لدفع الكتل القطبية نحو شمال الجزيرة العربية ، إن هذه النتائج كانت شبه متطابقة مع بيانات النموذج المناخي لمركز وسم الإقليمي