وسم – تطورت ظاهرة النينيو المناخية خلال خريف 2023 وأثرت على مناخ العالم خلال الموسم السابق، والذي كان واضحا جدا خاصة من ناحية درجات الحرارة المرتفعة في مختلف مناطق العالم، وتأثيرها على دروانية الغلاف الجوي التي تسببت في معدلات الأمطار العالية في منطقة الشرق الأوسط والجزيرة العربية، حيث سجلت العديد من المناطق أرقام قياسية غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة.
ظاهرة النينيو..
ظاهرة النينيو هي ارتفاع درجات حرارة المسطحات المائية للمنطقة الاستوائية للمحيط الهادئ عن معدلاتها الموسمية بحدود 0.8 درجة مئوية لفترة محددة تمتد بين 6 ألى 9 أسابيع، وتؤثر هذه الظاهرة مباشرة بدورانية الخلية الاستوائية "خلية هادلي" في الغلاف الجوي، والتي تعتبر الخلية الأهم لأنها تلعب دورا كبيرا في مسار واتجاه التيار النفاث شبه الاستوائي وطريقة وطبيعة القوالب الجوية في العروض الوسطى.
كلما اشتدت ظاهرة النينو، تزيد من نشاط الخلية الاستوائية في المحيط الهادئ ( المحيط الأضخم في الكرة الأرضية) ، ونظرا للحرارة النوعية العالية للمسطحات المائية وبطء تغير حرارتها، فهذا يعطي نمطا خاصا وطويل التأثير لدورانية الغلاف الجوي فوق منطقة الهادئ، ومن الممكن أن تؤثر ظاهرة النينيو على أكثر من 40-50% من دورانية الغلاف الجوي بشكل مباشر والتي تعطي الأهمية الكبيرة لها في تحديد طبيعة الدورانية ثم طبيعة الظروف الجوية المتوقعة على مختلف مناطق العالم.
تأثير الأهم لظاهرة النينيو..
إن النشاط الاستوائي العالي في منطقة المحيط الهادئ يطلق طاقة حرارة محسوسة عظيمة، قد تصل الطاقة الكامنة العظيمة إلى أكثر من 4000-5000 جول لكل كيلو جرام في الهواء في المنطقة الاستوائية للمحيط الهادئ، هذه الطاقة تتحول إلى طاقة حرارية مع التكثف السريع والقوي، هذه الطاقة الحرارية تتوزع على جانبي خط الاستواء خلال 3 أسابيع من بداية النشاط الاستوائي العالي، ومع هبوط الهواء الذي اكتسب الطاقة الحرارية المحسوسة العظيمة يزداد حرارة وتسخينا مع تأثير الجانب الديناميكي عند هبوط الهواء وتسارع جزيئاته بسبب ارتفاع الضغط الجوي وهذا يزيد من حرارة المنطقة
إن هذه الطاقة الحرارية المنطلقة والفائضة تتوزع إلى مناطق مختلفة من الغلاف الجوي، مما يرفع كثيرا من درجات الحرارة في العديد من مناطق العالم، وبسبب وضعية التيار النفاث القطبي القوي خلال الموسم السابق، ساهم في تعزيز هذا الارتفاع، لإن الهواء القطبي غير قادر على التوغل جنوبا والمساهمة في عملية التبادل الحراري وتخفيف الزائد الحراري في العروض الوسطى وشبه الاستوائية، فتسبب ذلك في ارتفاع كبير على درجات الحرارة في العديد من مناطق العالمى وزيادة على معدلات الأمطار في الكثير من المناطق من جانب آخر، حيث أن زيادة التبخر وضعف التيار النفاث القطبي ينتج عنها أنظمة جوية دافئة وممطرة بغزارة.
تاُثير نهاية ظاهرة النينو المناخية..
بعد معرفة التأثير الرئيسي لظاهرة النينيو المناخية، فإن نهاية هذه الظاهرة ستخفف لاحقا من درجات الحرارة العالمية نظرا لتراجع النشاط الاستوائي تدريجيا، يؤدي ذلك تدريجيا إلى تغير سلوك التيار النفاث شبه الاستوائي وزيادة انحنائه في مختلف المناطق مما يؤدي لظروف جوية قوية في مختلف مناطق العالم وخاصة أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وأجزاء من أمريكا الشمالية وشرق آسيا.
وأصدر مركز وسم الإقليمي دراسة لتباين حاد جدا في درجات الحرارة في منطقة المحيط الأطلسي بين الارتفاع والانخفاض والذي يسبب تغيرا كبيرا في حركة التيار النفاث شبه الاستوائي فوق المحيط الأطلسي مسببا انحنائِه الحاد، ومع إضافة انهيار ظاهرة النينيو المناخية ينتج عن ذلك تضخم هذا الانحناء بشكل أكبر ومسببا موجات حارة قاسية فوق القارة الأوروبية خلال هذا الشهر وخاصة الأجزاء الوسطى والشرقية تزامنا مع الاضطرابات الجوية القوية وغير الاعتيادية في تلك المناطق.
إن تأُثير انهيار ظاهرة النينيو المناخية يستمر لعدة أشهر، ولا يتوقع مركز وسم الإقليمي تطور ظاهرة اللانينيا خلال الموسم المقبل، حيث يتوقع أن تصبح الظاهرة فوق المحيط الهادئ هي حالة من الحياد البارد الضعيفة، وبالرغم من ذلك فهناك نتائج تشير إلى فترات غير مستقرة ومتقلبة بشدة خاصة أجزاء من غرب وجنوب أوروبا ولاحقا تمتد خلال الخريف إلى جنوب وشرق أوروبا وشرق ووسط البحر المتوسط ومنطقة الجزيرة العربية.
تغير سلوك التيار النفاث القطبي..
إن دور ظاهرة النينيو واللانينيا في سلوك التيار النفاث القطبي أقل تأثيرا وبشكل واضح، حيث تتأثر دورانية القطب الشمالي بقوالب جوية كبيرة شبه قطبية التي بدورها تتأثر بحرارة شمال المحيطين الأطلسي والهادئ بالدرجة الأولى، مع اشتداد التيار النفاث القطبي فتصبح هذه القوالب الجوية شديدة القوة، تسبب دورانية شديدة في حركة الرياح القطبية وشبه القطبية حول مراكزها، وتضعف من احتمالية وصول الهواء القطبي نحو العروض الوسطى وشبه الاستوائية.
لوحظ عبر عدة دراسات لم يصدرها مركز وسم الإقليمي بعد، وتم محاكاتها في النموذج المناخي الخاص به، أن التيار النفاث القطبي يتأثر كثيرا بحرارة مياه شمال المحيط الهادئ بالدرجة الأولى، والتي تتأثر بشكل غير مباشر بظاهرة النينيو في بعض الأحيان، إلا أن الموسم السابق لم تتأثر حرارة شمال مياه المحيط الهادئ بشكل واضح بظاهرة النينيو وهو أمر قليل الحدوث، وكانت الدورانية في القطب الشمالي أكثر انعزالا من الدورانية في العروض الوسطى وشبه الاستوائية مما تسبب في ظروف جوية مختلفة دافئة ممطرة بغزارة في العديد من مناطق العالم مع غياب تساقط الثلوج في معظم العروض الوسطى بشكل نادر الحدوث.
تأثير التيار النفاث القطبي القوي في رفع درجات الحرارة في الغلاف الجوي خلال الموسم السابق قام بتعزيز درجات الحرارة المرتفعة الناتجة من نشاط ظاهرة النينيو المناخية، مما نتج عنه درجات حرارة مرتفعة في معظم مناطق العالم.
ضعف التيار النفاث القطبي متوقع الموسم المقبل بشكل واضح وكبير، مما يسمح بتمدد الهواء القطبي بسهولة خاصة نحو شرق المحيط الأطلسي وجنوب جزيرة جرينلاند، وكذلك فوق وسط وغرب سيبيريا، مما يزيد من فرصة تبريد منطقة الشرق الأوسط وشرق ووسط البحر المتوسط وشمال مصر والعراق واحتمالية مرتفعة لموسم مطري ممتاز وأكثر برودة من السابق.
وهذا يؤدي إلى حالات جوية قوية فوق القارة الأوروبية خاصة جنوب وجنوب شرقها على فترات، لكن يفصل بين هذه الحالات وجود منطقة قوية من الضغط الجوي المرتفع بسبب الوضعية غير الاعتيادية للتيار النفاث شبه الاستوائي.
نتائج الدراسة..
نهاية ظاهرة النينيو المناخية ستسبب المزيد من الظروف الجوية القوية والمتقبلة بشدة في العديد من مناطق العالم ومن ضمنها الجزيرة العربية وشرق ووسط البحر المتوسط وجنوب شرق أوروبا خاصة نهاية الصيف وخلال الموسم المقبل، سيتزامن ذلك أيضا مع حرارة مرتفعة جدا للبحر المتوسط الذي يزيد من قوة هذه التقلبات الجوية..
تزامن نهاية ظاهرة النينيو المناخية مع تغير كبير في مسار التيار النفاث القطبي وضعفه خلال الفترة المقبلة سيؤدي إلى زيادة كبيرة على تأثير نهاية ظاهرة النينيو المناخية، ويتوقع أن يتمدد الهواء القطبي نحو العروض الوسطى مبكرا خلال الموسم المقبل.
موجات حارة قوية متوقعة على أوروبا خلال شهر يوليو وحتى النصف الأول من أغسطس تزامنا مع التقلبات الجوية القوية خاصة غرب وجنوب أوروبا.
تباين كبير في حرارة مياه شمال المحيط الأطلسي بالنسبة للجزء الاستوائي وشبه الاستوائي منه وقرب سواحل أفريقيا، يزيد من شدة انحناء التيار النفاث شبه الاستوائي.
ومن ضمن النقاط أعلاه، فيلاحظ من نتائج الدراسة فرصة عالية لحدوث ظروف جوية قوية ومتطرفة جدا حول مختلف مناطق العالم تشمل الدول العربية بنفس الوقت.
التوصيات..
ما زالت الكثير من الدول العربية تسيء تأثير التغيرات المناخية وتعتقد أن هذه التغيرات فقط عبارة عن ارتفاع الحرارة وتراجع الأمطار، وهذه الاعتقادات خاطئة، حيث تسببت التغيرات المناخية في زيادة كبيرة جدا على معدلات الأمطار في منطقة الشرق الأوسط تجاوزت 60% في بعض الدول العربية خاصة الأردن وأجزاء من السعودية ودول الخليج العربي، وتزامنا مع ارتفاع الحرارة بمعدل درجة مئوية ونصف الدرجة، ولكن مع حدوث تقلبات حرارية حادة حتى في فصل الصيف.
هذا التقرير وهذه الدراسة تعتبر في غاية الأهمية للاستعداد للظروف الجوية المتوقعة في منطقة الجزيرة العربية والشرق الأوسط ومصر والعراق وكذلك وسط البحر المتوسط، حيث يتوقع أن ترتفع فرصة حصول موجة حارة حادة وقوية في نهاية فصل الصيف متزامنة مع حدوث اضطرابات جوية غير موسمية وخاصة منطقة الجزيرة العربية التي سينتج عنها معدلات أمطار كبيرة جدا.
الاضطرابات الجوية ستؤثر بقوة على دول وسط البحر المتوسط وشرقه مع بداية الموسم المطري وخاصة ليبيا وشمال مصر وشرق تونس تمتد لاحقا إلى الجزيرة العربية ودول الشام وبشكل غير اعتيادي في بعض الفترات نتيجة لسلوك غير طبيعي للتيار النفاث شبه الاستوائي والقطبي خلال بداية الموسم المطري.
معرفة التغيرات المناخية الحقيقة عبر الدراسات والمعطيات بعيدا عن الملعومات المغلوطة التي تنتشر تزيد من احتمالية الاستعداد لها وتقليل خسائرها والاستفادة منها خاصة التي تسببت في زيادة كبيرة على معدلات الأمطار.