وسم – ارتفعت معدل درجة حرارة منطقة البحر المتوسط إلى أعلى المستويات اعتمادا على ( السجلات المناخية الحديثة) ، وتزامنا مع تغيرات دورانية هامة في الغلاف الجوي وبسبب تغيرات واضحة على درجات حرارة المحيطات الرئيسية، وحيث أن التأثير الحراري لوحده في منطقة البحر المتوسط لا يكفي لإحدات تغيرات هامة، حيث تم ملاحظة تغيرات كبيرة في مسار التيار النفاث منذ نهايات شهر يونيو 2024.
و تسبب ذلك في نتائج مختلفة على أرض الواقع مقارنة مع بعض التوقعات الموسمية التي أشارت إلى صيف حار جدا في منطقة بلاد الشام وشمال السعودية ، وكانت نتائج النموذج المناخي لمركز وسم الإقليمي هي الأعلى دقة في المنطقة والتي أعطت نتائج مختلفة نظرا لأنه يعمل بطريقة المعايرة المرنة لفترات التشابه، ووصلت دقته في بعض الفترات إلى 90% وهو رقم مرتفع جدا بالنسبة للنماذج المناخية بعيدة المدى.
حرارة البحر المتوسط العالية..
حرارة البحر المتوسط المرتفعة تعني وجود طاقة كامنة مرتفعة جدا، ولكنها تبقى "كامنة" أي أنها لم تطلق بعد لتصبح طاقة حرارية تتحول إلى طاقة حركية تشغل الأنظمة الجوية الفعالة والمنخفضات الجوية الباروكلينكية، عدم وجود نشاط ديناميكي هام لن يؤثر كثيرا على الظروف الجوية.
إلا أن دراسة التيار النفاث المتوقع خلال الموسم المطري المقبل أجراها مركز وسم الإقليمي وعبر استخدام النموذج المناخي لوسم والذي سجل دقة فائقة في الظروف الجوية المتوقعة خلال شهري 7 و 8 خاصة في شرق المتوسط وجنوب غرب السعودية واليمن والقارة الأوروبية، لوحظ ظاهرة غير اعتيادية وقليلة الحدوث، وهو ضعف حاد في التيار النفاث شبه الاستوائي ابتداء من جنوب بريطانيا وثم وسط وشرق المتوسط، ساهم ذلك في تحفيز قوة المرتفع الجوي الأزوري في البحر المتوسط وتراجع كبير على الموجات الحارة بشكل نادر الحدوث بالنسبة لشهري 7 و8 في منطقة شرق المتوسط وشمال السعودية.
هذا التنظيم في الغلاف الجوي سيظهر بوضوح تام خلال النصف الثاني من شهر 9 وبشكل أفضل خلال نهايات شهر 10 وحتى فترة الشتاء على منطقة وسط وشرق المتوسط وشمال وغرب السعودية ووسطها والعراق والمناطق المحيطة، حيث ستتركز فوق جنوب إيطاليا وتونس وشرق الجزائر وليبيا، وعلى فترات نحو شرق المتوسط، ثم تتركز بشكل أكثر وضوحا خلال منتصف الخريف على منطقة شرق البحر المتوسط.
ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي وانقسامه في منطقة شرق الأطلسي وحتى جنوب أوروبا يقابله بنفس الوقت اشتداد كبير على التيار النفاث القطبي في غرب القارة الأوروبية ثم انحناء حاد في منطقة شرق القارة الأوروبية وحتى شرق تركيا، مما يظهر بوضوح كيفية تطور الجبهة المتوسطية، وكيفية تطور المنخفضات الجوية المتوسطية التي ستشتد كلما اتجهت نحو الشرق، حيث تزيد حرارة البحر المتوسط العالية قوة هذه الأنظمة الجوية تزامنا مع تدفق الهواء القطبي البارد نحو مراكزها عندما تقترب من بحر ايجة، مما يعرض مناطق وسط البحر المتوسط وشرقها لاحتمالية " عالية" لعواصف متوسطية قوية، ولا نقصد هنا الأنظمة الجوية شبه الاستوائية فقط، وإنما عواصف العروض الوسطى والبحر المتوسط وهي الأنظمة الجوية الباروكلينيكية الجبهية.
ما يعرض المنطقة لاحتمالية كبيرة أيضا لفرص الفيضانات التي زادت خلال السنوات الأخيرة وخاصة منطقة شرق البحر المتوسط وشمال مصر وغرب السعودية وشمالها، هو توقع نشاط فعال جدا لمنخفض البحر الأحمر ( RSCZ) لأسباب تتعلق بشكل رئيسي للجبهة السيبيرية التي ستنحرف قليلا نحو الشرق وإيران ومنطقة وسط بحر العرب، وهذا يزيد من احتمالية كبيرة لتعرض مناطق غرب السعودية وشمالها وسواحل البحر الأحمر لكميات كبيرة من الأمطار خلال منتصف الخريف خاصة مع نشاط الجبهات المتوسطية.
حرارة البحر المتوسط العالية قد تولد طاقة حرارية كبيرة إذا ما حصل نشاط دينامكي هام وهذا هو المتوقع اعتمادا على الحركة غير الاعتيادية للتيار النفاث شبه الاستوائي وانحاء حاد للتيار النفاث القطبي فوق شرق القارة الأوروبية، إن هذه الطاقة الحرارية قد تصل في بعض الفترت إلى أكثر من 3500 جول لكل كيلوجرام من الهواء، مما يزيد من فرصة حصول عواصف شبه استوائية مبكرة في المنطقة تؤثر بشكل رئيسي على شرق البحر المتوسط وشمال مصر.
احتمالية عالية لتشكل العواصف شبه الاستوائية..
ونظرا لضعف الدراسات العربية حول حقيقة التغيرات المناخية في المنطقة العربية وتركيزها على ظروف جوية ليست أساسية ( كالمبالغة في وصف الموجات الحارة أو التقارير غير الدقيقة في معدلات الأمطار) ، فتسببت هذه التغيرات المناخية في ضرر كبير على المنطقة العربية وخاصة مناطق البحر المتوسط بسبب ظهور نتائج معاكسة للدراسات الضعيفة وزيادة الضرر، وخاصة من ناحية موجات الجفاف القاسية في غرب البحر المتوسط والمستمرة منذ سنوات طويلة، ومعدلات الأمطار الكبيرة في شرق البحر المتوسط والتي سجلت زيادة كبيرة وصلت إلى 60% عن معدلاتها الموسمية.
ونظرا لمعدل الحرارة العالية والذي يصل إلى حدود 31 مئوية في شرق البحر المتوسط وأجزاء من وسطه، ولأسباب ليست واضحة تماما، فإن النتائج في نشاط عدم استقرار باروتروبيكي أثناء المراحل النهائية للمنخفضات الجوية الباروكلينكية مدعوما من ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي وانحناء التيار النفاث القطبي، سيولد نشاطا باروتروبيكيا شديدا وقياسيا في المنطقة والتي تظهر بوضوح في نتائج النموذج المناخي لوسم خلال الخريف حتى بدايات فصل الشتاء ولاحقا خلال الربيع.
أظهرت النتائج أن فرصة تكون عواصف شبه استوائية مرتفعة جدا خلال الأسبوع الثالث من شهر 9 وبعد منتصف الشهر سيتركز بشكل أساسي فوق منطقة شرق البحر المتوسط، حيث أن تدفق كتل هوائية باردة نتيجة لضعف غير اعتيادي للتيار النفاث شبه الاستوائي فوق منطقة البحر المتوسط وتزامن ذلك مع حرارة عالية في سطح مياهه سيرفع كثيرا من هذه الاحتمالية، وكما أشرنا فإن الحرارة العالية لوحدها لا تكفي في حال عدم وجود نشاط ديناميكي هام.
احتمالية عالية لموجات قطبية..
إن دمج نتائج ضعف التيار النفاث القطبي وانحناء حاد له في منطقة شرق البحر المتوسط وشرق تركيا، وتزامنا مع حرارة البحر المتوسط المرتفعة ووجود طاقة حركية عظيمة ناتجة من الثيرموديناميكية العالية، سيسبب في احتمالة كبيرة هذا الموسم لوصول الهواء القطبي بشكل مباشر حتى وسط السعودية خلال شهر يناير من عام 2025، مدعوما بالجبهة المتوسطية الرطبة على طول وسط وشرق المتوسط وحركة هذه الأنظمة الجوية السريعة نحو الشرق بفعل التيار النفاث القطبي.
منخفض البحر الأحمر..
إن دراسة خصائص ارتفاع حرارة شرق البحر المتوسط العالية، ودراسة البؤر الساخنة، حيث لوحظ بؤرة هامة فوق سواحل فلسطين الجنوبية وغزة وحتى شمال سيناء، وصلت إلى أكثر من 31 مئوية، والتي توازي محور امتداد منخفض البحر الأحمر نحو شرق البحر المتوسط، هذا سيعزز كثيرا من قوة منخفض البحر الأحمر خلال الخريف وتغير على محوره نحو الغرب اأكثر من المعتاد وبناء على انحناء التيار النفاث شبه الاستوائي.
ومع دراسة محور المرتفع السيبيري الذي سيميل نحو الشرق بشكل واضح وكذلك نحو الجنوب أكثر من المعتاد وحتى إيران وشمال منطقة بحر العرب، سينتج عن ذلك نفق رطوبي عظيم متوغلا نحو غرب السعودية وشرق مصر وطول البحر الأحمر وحتى الأردن وفلسطين وشرق البحر المتوسط، وثم يمتد نحو الجوف وشمال السعودية والعراق والكويت وغرب وسط السعودية، ومع نشاط الجبهات المتوسطية المتوغلة بشكل متواصل خاصة خلال الخريف، فهذا سيزيد من فرصة الفيضانات والسيول القوية في المنطقة وخاصة فوق منطقة مكة المكرمة وسواحل البحر الأحمر.
الموجات الاستوائية الشرقية..
ومع دراسة الموجات الاستوائية الشرقية أو موجات روسبي الاستوائية وموجات كلفن الناتجة منها خاصة في منطقة بحر العرب وغرب المحيط الهندي، ومع توقع ضعف كبير على ظاهرة اللانينيا أو حتى عدم تطورها واستمرار تواجد المياه الباردة فوق سواحل أندونيسيا، وامتداد الذراع السيبيرية- العربية- نحو بحر العرب، فهذا يرفع من احتمالية وجود عواصف استوائية نشطة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر نحو جنوب السعودية وحتى جنوب غربها، وهذا يزيد من التدفق الرطوبي إلى المنطقة، هذه الأنظمة الجوية الاستوائية ستسلك مسارات غربية خاصة مع توقع نشاط عالي لموجات كلفن الاستوائية والتي ستغذي محور منخفض البحر الأحمر عالي الفعالية المتمركز في وسط وغرب السعودية وشمالها وحتى شرق البحر المتوسط.
وعلى حسب دراسة أصدرها مركز وسم الإقليمي، فإن حرارة شرق البحر المتوسط العالية تزيد كثيرا من فرصة الفيضانات والسيول فوق غرب السعودية وشمالها ومنطقة شرق البحر المتوسط وشمال مصر، وستكون فرصة ذلك مرتفعة جدا خلال منتصف فصل الخريف.
النموذج المناخي لوسم..
وسيصدر مركز وسم الإقليمي النشرة الموسمية لموسم 2024-2025، والتي تتميز بالدقة الأعلى في المنطقة العربية والجزيرة العربية نظرا لطريقة عمل هذا النموذج المناخي والذي يعمل بالطريقة المعايرة لفترات التشابه خلال السنوات السابقة، وعلى حسب النتائج الأولى فإن الموسم المطري المقبل سيكون قويا على المنطقة وخاصة غرب السعودية وشمالها ومنطقة بلاد الشام وشمال مصر، وحتى وسط البحر المتوسط وجنوب القارة الأوروبية، والمزيد من التفاصيل عبر النشرة الموسمية المفصلة قريبا.