وسم – سجل تذبذب المحيط الهادئ الحراري "PDO" أقل قيمة في تاريخ السجلات المناخية الحديثة خلال الشتاء الأخير – 2025 والذي وصل إلى -3.80 والذي كسر الرقم السابق في عام 1950 الذي وصل إلى -3.65 وفق بيانات إدارة المحيطات والغلاف الجوي الأمريكية “NOAA” ، ويؤثر هذا العامل المناخي بشكل "كبير جدا" على دورانية الغلاف الجوي والذي يعتبره مركز وسم الإقليمي العامل المناخي الأشد تأثيرا خلال الموسم السابق 2024-2025 وكذلك موسم 2023-2024.
ما هو هذا العامل المناخي؟
تذبذب المحيط الهادئ PDO أو The Pacific Decadal Oscillation الذي يقيس مدى التأرجح في درجات الحرارة السطحية لمنطقة المحيط الهادئ الشمالي وهو التأرجح الحراري بين مياه شمال وسط المحيط الهادئ وسواحل كندا وسواحل غرب أمريكا الشمالية.
إن هذا التذبذب يعتبر سالبا في حال وجود مياه باردة على طول سواحل غرب أمريكا الشمالية مقارنة مع المياه الساخنة في شمال وسط المحيط الهادئ ( كما هو حاصل حاليا) والعكس هو الصحيح، ويعتبر التغير في هذا العامل بطيء وقد يحتاج إلى أكثر من 20 عاما للانتقال من المرحلة السالبة إلى الموجبة والعكس صحيح.
ودخلت هذا العامل المناخي المرحلة السالبة منذ منتصف عام 1998 ووصل إلى ذروة شدته وقوته منذ عام 2021، وهذا العامل لا يؤثر لوحده على الغلاف الجوي، ولكن لديه تأثيرا قويا على التيار النفاث القطبي " Polar Jet Stream" خاصة فوق منطقة شمال المحيط الهادئ وحتى الولايات المتحدة والذي يجعله أكثر قوة كما تم معالجة بيانات مستوى 300 ملليبار للطبقات العليا من الجو لقياس مدى شدة التيار النفاث القطبي في السنوات التي سجلت قيم سالبة لمنطقة PDO.

ظواهر النينيو واللانينيا وعلاقتها بهذا العامل|
إن الفترات السالبة أو الموجبة الطويلة لا يعني أنها ثابتة تماما، بل هناك تأرجحا واضحا وكبيرا أثناء تغير ظواهر ال ENSO والتي تلعب دورا كبيرا بالتأثير على عامل PDO ، ففي ظواهر النينيو تزداد الفرصة الموجبة لهذا المعامل والعكس صحيح، وذلك بسبب التأثير الواضح على الدورانية الاستوائية وشبه الاستوائية في منطقة المحيط الهادئ والتأثير المباشر والقوي على التيار النفاث شبه الاستوائي والذي يؤدي إلى التأثير القوي على القوالب الجوية في منطقة شمال المحيط الهادئ ثم التأثير على حركة الرياح على طول سواحل أمريكا الشمالية.
إن تغيير اتجاه الرياح من الشمالي إلى الجنوبي في تلك السواحل يؤثر على مدى تدفق حركة المياه من الأعماق أو العكس نتيجة تأثير قوة كوريوليس وتأثير بقوة "Ekman" بفعل الرياح التي تحتك بمياه البحار والمحيطات قرب السواحل.
وبالرغم من تأثير هذه الظواهر على معامل PDO ، إلا أن مركز وسم الإقليمي أصدر دراسة "مهمة جدا " حول تأثير ظواهر النينيو المودوكي بشكل أكثر قوة على هذا العامل مما يعكس تأثيرا شديدا جدا على الغلاف الجوي.

سلبية معامل PDO ونتائج تأثيره|
يعتبر استخلاص النتائج المباشرة من هذا المعامل "شديدة التعقيد" إلا أن سلبية هذا المعامل الشديدة خلال الموسم الأخير وهدوء منطقة المحيط الهادئ الاستوائي أعطانا صورة واضحة كثيرا على اشتداد كبير للتيار النفاث القطبي حول الأقطاب، وبسبب قوة ظاهرة النينيو خلال موسم 2023-2024 والتي نتج عنها تسخينا ديناميكيا عظيما نحو العروض شبه الاستوائية والوسطى والناتجة من النشاط الاستوائي الكبير الذي أطلق طاقة حرارية كبيرة، تسبب ذلك في شتاءٍ دافئ جدا في معظم مناطق النصف الشمالي من الكرة الأرضية مع تسجيل تيارا نفاثا قطبيا قويا.
أنه من النادر أن تتزامن ظاهرة نينيو قوية مع سلبية شديدة لمعامل PDO كما حصل في موسم 2023-2024، ولكن يظهر أن هذا المعامل المناخي يهيمن بقوة على الدائرة القطبية خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن هناك تحولات مناخية كبيرة ستحصل خلال موسم 2025-2026 قد تؤدي لضعف كبير ومفاجئ على التيار النفاث القطبي مؤديا لموجات برد عالمية مؤقتة تخفف قليلا من حدة مستويات درجات الحرارة المرتفعة وهذا ما سنشرحه في هذا التقرير.


تحولا موجبا لهذا المعامل المناخي وبشكل "متسارع" خلال الموسم المقبل|
إن النظر إلى الخرائط الجوية المعاد معالجتها تظهر تيارا نفاثا قطبيا قويا فوق شمال غرب أوروبا والناتج من سخونة شمال المحيط الهادئ ويتم تعزيزه من منطقة شمال المحيط الأطلسي.
إن انخفاض الحرارة الاستوائية لمنطقة المحيط الأطلسي سيهدد بضعف كبير على التيار النفاث شبه الاستوائي في منطقة البحر المتوسط وشرق الأطلسي وبضعف واضح على العواصف الأطلسية والذي يعززه أيضا انخفاض حرارة شمال المحيط الأطلسي.
تراجع المعامل المناخي PDO بشكل متسارع وابتداء من نهاية الخريف المقبل وبداية فصل الشتاء سيعزز كثيرا من احتمالية "انهيار مفاجئ في التيار النفاث القطبي" إن هذه الظاهرة قد تولد موجات قطبية "شديدة" خاصة في جنوب الولايات المتحدة وغربها ووسط البحر المتوسط وشرقه وشمال الجزيرة العربية وكذلك جنوب أوروبا بشكل عام.
لذا وعلى حسب المعطيات الحالية فإن احتمالية الموجات البرد الشديدة خلال الموسم المقبل في منطقة الشرق الأوسط "مرتفعة" والتي يتوقع أن تكون أكثر رطوبة.

ولوحظ خلال الموسم 2024-2025 عدة موجات باردة لكنها كانت جافة، حيث تم تسجيل عدة فترات ضعف بها التيار النفاث القطبي بشكل قليل و مؤقت وربما نتيجة برودة المنطقة الاستوائية للمحيط الأطلسي مؤقتا أو بسبب تتابع العواصف الأطلسية بشكل مستمرـ هذه الموجات الباردة لم تنجح بتشكيل عواصف قطبية نحو العروض الوسطى المتدنية والبحر المتوسط بسبب قوة التيار النفاث القطبي بشكل عام، وما عزز هذه الموجات الباردة هو ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي كثيرا.
التيار النفاث شبه الاستوائي سيبقى ضعيفا|
إن المعطيات المعالجة في نموذجنا المناخي لمركز وسم الإقليمي أظهر بوضوح ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي في عدة مناطق حساسة في شمال أفريقيا والبحر المتوسط وشرق المحيط الأطلسي، تركزت حول أسبانيا وغرب المتوسط بشكل واضح، وكذلك منطقة شرق المتوسط وشمال السعودية ومصر، إن نتائج ضعف التيار النفاث القطبي بشكل متوازي سيؤدي لتعمق الرياح القطبية حتى العروض شبه الاستوائية في منطقة الجزيرة العربية بشكل متكرر خلال النصف الثاني من الموسم المطري.
التذبذب بين القيمة الأدنى إلى القيم الموجبة|
إن التذبذب بين القيمة الأدنى إلى القيم الموجبة خلال 6 أشهر سيؤدي ردة فعل قوية على دورانية الغلاف الجوي، ما يظهر الان على دورانية الغلاف الجوي ناتجا فقط من ضعف التيار النفاث شبه الاستوائي قرب البحر المتوسط لعدة أسباب تتعلق بالدرجة الأولى بانخفاض حرارة أجزاء من مناطق المحيط الأطلسي وخاصة الاستوائية منه معززا من سخونة غرب المتوسط.
مع بداية فصل الخريف وبداية ضعف التيار النفاث القطبي ( الذي بدأت تظهر نتائجه قرب الجزر الاسكندنافية هذا الصيف) سيؤدي موجات برد عالمية قوية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تتركز بالدرجة الأولى في مناطق وسط وشرق المتوسط والجزيرة العربية وجنوب شرق أوروبا، كذلك جنوب الولايات المتحدة وجنوب غربها، وأيضا مناطق شرق آسيا مؤديا لدورانية متطرفة جدا في الغلاف الجوي.

الخلاصة|
وبالرغم من تعقيد هذه التقرير علميا بسبب عمقه في دراسة دورانية الغلاف الجوي وتأثيره من حرارة المحيطات بالدرجة الأولى وارتباطه بالتيارات النفاثة في الطبقات العليا، ومع استخدام بيانات النموذج المناخي لمركز وسم الإقليمي الذي يعاير البيانات المناخية للعوامل المناخية المختلفة بشكل مرن عبر فترات التشابه، تم استخلاص التالي|
- توقعات بتحول العامل المناخي PDO من القيمة السلبية المتدنية جدا إلى القيمة الإيجابية بشكل متسارع خلال نهاية الخريف وبداية الشتاء المقبل.
- انهيار كبير في التيار النفاث القطبي خاصة في مناطق الولايات المتحدة الجنوبية وشرق القارة الأوروبية وجنوب شرقها ومنطقة وسط وشرق المتوسط وشمال الجزيرة العربية.
- تؤدي لتعرض هذه المناطق لموجات برد عالمية تتركز بالدرجة الأولى على جنوب الولايات المتحدة وجنوب غربها وجنوب أوروبا وجنوب شرقها وشرقها والجزيرة العربية وشرق ووسط البحر المتوسط وشرق آسيا.
- تأثير المعامل المناخي PDO شديد التعقيد على دورانية الغلاف الجوي إلا أنه يرتبط مباشرة في نشاط التيار النفاث القطبي ومشابها لحد ما تأثير منطقة AMO على هذا التيار.
- البرودة المتواصلة في المنطقة الاستوائية للمحيط الأطلسي وسخونة غرب المتوسط ستؤدي لتعزيز هذه التغيرات وهذه الظواهر في منطقة وسط وشرق المتوسط والجزيرة العربية.

وسيقوم مركز وسم الإقليمي بتشغيل النموذج المناخي ضمن دورة رئيسية خلال الأسبوع الثاني من شهر 8 مجددا لتظهر نتائج أكثر دقة حول طبيعة الموسم المطري في مختلف مناطق العالم.
ويذكر مركز وسم الإقليمي أن التغيرات المناخية في آخر 10 أعوام تسببت في زيادة كبيرة على معدلات الأمطار في منطقة جنوب شرق المتوسط والأردن وفلسطين وشمال وغرب السعودية بنسبة تجاوزت 40-60% وهي نسبة غير مسبوقة في السجلات المناخية الحديثة، هذه التغيرات المتوقعة في العوامل المناخية ستؤدي لتعزيز هذه التغيرات المناخية وتوقعات بمواسم مطرية قد تكون غير مسبوقة في المنطقة خلال ال 5 أعوام المقبلة.
هذه الدراسة التي أصدرها مركز وسم الإقليمي حصرية والتي يعتمد بيانات نموذجه المناخي المطوّر والأدق في المنطقة إقليميا، والتي تهدف أيضا إلى خدمة المجتمعات خاصة العربية في ظل غياب المعلومة الجوية الدقيقة وعدم وجود دراسات مناخية وذلك للتعامل الصحيح مع التغيرات المناخية وكذلك فهم هذه التغيرات بالشكل الصحيح والدقيق والتي تؤثر كثيرا على التعامل مع الظروف الجوية والمناخية الجديدة.
